روايات

رواية غمرة عشقك الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء الرابع والثلاثون

رواية غمرة عشقك البارت الرابع والثلاثون

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة الرابعة والثلاثون

شعور الارتواء بعد الظمأ ماهو الا امتنان لا يشعر به
إلا صاحبه… شعور الشبع بعد الجوع نعمة لا يكتشفها الا صاحبها…… شعور الستر بعد الإفصاح معجزة لا يكتشفها الا صاحبها……… وشعور الحب بعد العذاب شيءٍ لا يكتشفه إلا القلب…. ولا يستشعر بحلاوته إلا القلب…….
الكثير يهمل متطلبات القلب فقط لانه قادر على تقبل الرفض……. والمصابره في كل شيء…. ام عن رغبات
الانسان فهي شيءٍ يجب نيله…. كالطعام الشرب الستر…… وماذا عن الحب ماذا عن الشعور
برضا بتكافأ…. برضا نفسك ومشاعرك….
كيف كان بهذا الغباء حينما ظن انه بكسرة قلبه سيعيش كباقي البشر…..
ها هو الآن عن شعوره تتحدث عيناه…. عينين تفصح عن الحب الرضا الراحة لمجرد انها اصبحت زوجته
امتنان للرحمن انها نجت ونجى حبهم من هذا الطوفان اللعين…….
قصة عنيفة ابطالها كان غاية في العناد.. الكل يريد
ان يثبت انه قادر على المتابعة ورغم انهم يعلمون
جيداً انهم اضعف من البعد إلا ان الكبرياء كان العن شيطان بينهما……
كانا يكابرا في حرب خاسرة قد رفعت قلوبهما الرايا البيضاء قبل حتى البدء…..حقاً كانت حرب سلام وقد اكتشفوا مؤخراً ان حروب العشاق ماهي الا حروب سلام لا يملك احد سلاح إلا لي آزيت نفسه فقط ؟!…
وهذا ما اكتشفه حينما عاد اليها يوم خطبته…شعر انه غير قادر على البعد وفي أشد الحاجة لها…
القى نفسه في احضانها مطالب منها ان تغفر غباءه
في استبدالها باخرى…مطالب منها ان ترحم قلوبهما
من العذاب وتنسى وجعها وتدويه كما فعل هو حينما
طرق بابها وطلبها للزواج في وقت ماهو الا
جنون عاشق اتى معتذراً عند باب معشوقته…
لو لم يفعل هذا كان اليوم يجني على قلب أخرى
وكان الانفصال عنها صعباً او مستحيلاً……
هندم ملابسه الكلاسيكية المكونة من قميصة
وبنطال انيقاً بالوان داكنه تليق بتلك البشرة السمراء قليلاً والملامح الحادة….حدة احبتها واحده فقط ووقعت في هوى صخرة صلبة لم تكون إلا رخوة سهلة الاختراق….و من نظرة واحده القت عليها سهام الحب…….وتعويذة كسحر بعينيها اذابت قلب عرف الهوى على يداها الجميلتين……..
نظر لعينيه عبر المرآة محفز نفسه انه يجب ان
يتابع حياته وعمله…..فهو مزال لديه رغبه في الجلوس معها…….
سمر قطعة من السكر….يالا جمالك ياحبيبتي….
دلالك…. صوتك…. خطاكِ…ضحكاتك……نقاشك و مشاكستك…قوتكِ في اثبات رايك على اي شيءٍ مختلفين به…… شرسة
شراسة القطط في عيناكِ…. ووداعة الحمل في نظراتك حينما تكوني راضية عني فقط…..
فاتنة… لعوبة… ماكرة…… من نظرة مغوية اذوب
فيكِ عشقاً من همسه جريئه من بين شفتيكِ
افسد بالساني واسناني حمرة شفاهك…….
ماكرة حينما تتدللي عليا محاولة اشعال جسدي وقلبي بكِ……ماكرة وتريدي الاستحواذ اكثر علي…..كي تطمئني قلبك انني لن اتخلى عنكِ يوماً……
تعلمِ انني لن اجرؤ على البعد مرة اخرى لكنكِ تودين ان اجزم وابرهن بذلك…..
شق محياه بسمة عميقة وهو يتنهد بشوق…سبعة ايام كانوا من أجمل ايام حياته…….
لم ينام إلا في احضانها ضامم جسدها اللين ملامسه بحرية بين ذراعيه……مشتم انفاسها الناعمة…..شاعر بها وهي ساكنة الجسد بين ذراعيه بانفاس منتظمة……
تشاركا اوقات جميلة معاً…….كان ياكل معها واوقات كانت تتدلل وتاكل وهي على حجره محاولة المزاح
المغوي……..وهو يستغل الامر ملتقط من بين شفتيها الطعام…..
تشاركا مشاهدة افلام لا يحبها ومع ذلك لكي يراضيها شاركها معها….كان يترك الفيلم واحداثه ويظل يراقبها بعيناه العاشقة………لا تعلم قطعة السكر انها شهية ومغرية اكثر حينما تكون منجذبة لشيءٍ ما وتتابعه
بتركيز…..وعينيها السوداوان تلمعان بقوة مع شاشة التلفاز كلما زادت الاحداث تشويق…..بينما يظل الاستمتاع بنسبه له هو رؤية ملامحها المنجذبة
والمنبهرة نحو الشاشة وهذا هو فيلمه
المفضل……..
اوقاتهما الحميمية….. هل عليه ان يذكر الامر بينه وبين حاله….. انها افضل وقت بنسبة له…. قطعة السكر تذوب بين يداه…….. هي اكثر أمرأه فاتنه
ومغرية وجميلة وترضيه كرجل في كل شيء…
هي شعله من المشاعر…… بينهما تكافأ في تلك
النقطة غير طبيعي كما يريدها تريده….. تحب هذا معه كما يعشق تلك اللحظات معها……. وهذا الكمال الذي يبحث عنه الكثير……….
فاق من شروده على صوت باب الغرفة يفتح وتدخل البهية بجمالها المغري….. ترتدي فستان قصير أنيق
مفصل جسدها مكتنز المنحنيات بجمالاً…. كانت
تطلق شعرها الغجري خلف ظهرها فيتراقص
كقلبه الذي يهفو لها حباً مطالب بقبلة الصباح…
لبى قلبها نداءه فابتسمت اليه وهي تضع الصنيه على المنضدة وتستقيم اليه ثم تخطو نحوه متبسمة بحلاوة عانقة خصره وهي ترفع وجهها مقدمة شفتيها الشهية اليه قائلة بدلال……
“مش ناسي حاجة ياهيما……”
ابتسم وهو يميل على شفتيها لكنها ابعدت راسها قليلاً بشقاوة تهلك الصبر لديه…..
“انت نسيت تقولي صباح الخير………”
حاول مشاكستها هو أيضاً فقرص وجنتها بخفة
ودون ان يقبلها قائلاً….
“صباح الورد والياسمين……..”
مطت شفتيها محاولة شد انتباهه لشيءٍ هام…
“بس كده…….”
ابتسم بخبثٍ وقال…..
“هما بيقوله غير كده…….”
تدللت سمر قائلة بنعومة……
“هما بيقوله كده بس…بس احنا بقا بنعمل اي بعدها…”
حك في شعره قائلاً بخبثٍ……
“مش عارف…..”
لكزته في بطنه……قائلة بحنق….
“متهزرش……..”
مسك يدها قائلاً بمكر……
“مش بالعافية يامجنونه……غمضي عينك كده…”
وقبل ان تغمض عينيها انقض على شفتيها فشهقت وهي تعانق عنقه بيدها محاولة الصمود امام هجوم صباحي سينتهي بابتعاده عنها للعمل؟!….
فصل القبلة بعد دقيقة ثم مرر ابهامه على شفتيها الحمراء قائلاً بمعافرة……
“اللي بتعمليه ده…. هياخرني عن المصنع…..”
مررت اصابعها على شعره مرجعه إياه للخلف
باهتمام وحب…….وقالت
“قعد النهاردة معايا…….”
اخبرها وهو يرتدي ساعة معصمه….
“مش هينفع ياسمر…….. كفاية اسبوع……”
اومات بالموفقة رغم رغبتها في بقاءه جوارها…. قالت وهي تبتعد عند صنية الفطور…..
“انا كمان بعد كام يوم هنزل الشغل……”
همهم بخشونة وهو يحاول منع نفسه من تلك الرغبة الملحة في منعها من العمل…….
فهمت ما يريد من مجرد همهمات مقتضبة… استدارت اليه واقتربت منه مجدداً وامامه بدون ان تلمسه قالت…….
“انا عارفه انك معترض على شغلي… بس انت عارف… انا بحب الشغل ده قد إيه…..”
قال بهدوء مناقش اياها بعقلانية….
“بس انتي مش محتجاه ياسمر…. انا اقدر اكفي كل احتيجاتك….. انتي مراتي ومسئولة مني….”
رفعت راسها وقالت بترفع جميل مؤثرة على
قلبه المدله في حبها…….
“وهفضل مسئولة منك يابراهيم…. الشغل مش هيمنعني احس بالاحساس ده معاك…. اني مسئولة منك…….”
اصر على رأيه الحازم قائلاً……
“بلاش تزوقي الكلام……. وردي عليا… محتاجه الشغل في إيه…. وانا عندي القدرة الحمدلله اغطي كل احتيجاتك……..”
اسبلت عينيها قليلاً وكانها تفكر بما ستقوله… ثم عادت لعينيه المتراقبة لردها وقالت بهدوء
طامعه في مكانه افضل….
“نفسي انجح…… نفسي انجح في حاجه بحبها
نفسي اكون ميكب ارتست معروفة في البلد
كلها الناس بتجيلي من اخر الدنيا مخصوص…….
نفسي انجح يابراهيم…….ويبقا عندي كذا فرع
فكذا بلد في مصر ولو برا مصر يعني اي فيها….
هو مش من حقي احلم وحاول انجح في حاجة بحبها……..اطور من نفسي وشغلي ووسع مجالي
لمعة عينيها ببريق الأمل…..واضافت…..
“دا حلم كنت بحلمه من زمان اوي…من ساعة ما بدأت اشتغل وحب الحاجة اللي بعملها…..”
قال بصوتٍ هادئ لكنه لامس قلبها من عمق احساسه…….
“هبقا اناني لما اقولك دلوقتي…اني محتاجك في ضهري….المشروع بتاعي لسه بيبدأ ومحتاجك
معايا وجمبي…..مش عايز حاجة تشغلك عني
عايزك معايا علطول واخده بالك مني ومن طلباتي……..”
قالت وهي تمرر يدها على ذراعه بحنان أم….قبل ان يكون زوجة تعشق زوجها وتريد مساندتها ومشاركته كل خطوة في حياته مهما كانت النتيجة…نجاح او حتى فشل……فهي ستظل معه تدعمه مهم كانت النتيجة…….
“مين قال اني هقصر يابراهيم…انا هوفق بينهم…مش هاجي على البيت ولا هاجي على شغلي…كمان انا عمري ما هسيبك هدعمك وهفضل معاك…لحد ما مشروعك ينجح…….انا جمبك ياحبيبي وهفضل جمبك ومفيش حاجة هتبعدني أبداً عنك…..”
ثم همست برجاء اقوى نحوه……
“عشان خاطري يابراهيم…خلينا نحاول ولو حسيت اني قصرت معاك…..ان بنفسي هنسحب عن كل حاجة…… وهركن اي حاجة على جمب عشان حياتنا…..ودا وعد مني……..”
اوما باقتضاب وداخله نزاع بين قلب يود رضوخ لها…. وعقل شرقي متملك يود خضوعها هي
لقراره…..
ولكن انتصرت مشاعره امام تلك المرأة….تلك التي تثبت انها قادرة على اقناعه بما تريد ومناقشته بكل حرية وسلاسة حتى يتفهم وجهة نظرها…….
حينما وجدته صامت شارد حاولت جذبه من تلك القوقعه وهي تلامس ذراعه هامسة برقة….
“يلا ياحبيبي عشان نفطر سوا…….عملالك الفطار بايدي…….”
جلسا معاً على الاريكة المتواجدة في الغرفة وامامهم صنية الطعام على المنضدة…….
غمست اللقمة في الفول بالزيت الحار وقدمتها إليه
فقضمها منها وهو يقول بهدوء….
“كُلي انتي ياسمر……انا باكل اهوه……..”
نظرت للاطباق ببعضاً من الكآبة فقد تبدلت ملامحه بشكلا ملحوظ وكانه غير راضي عن عملها بعد……
شردت في الفطور بعينيها لكن عقلها ظل يحل تلك المعضلة…..كيف ترضيه وترضي رغبتها في العمل والنجاح وشق وجهة خاصه بها…..كيف
بين نارين كما يقال………..وهو يصعبها بصمته وتجهم ملامحه رغم موافقته عن قرارها………
سمعت صوته الرخيم يسالها باهتمام….
“لي مش بتاكلي ياسمر…..”
رغم ان دلاله الخاص يروقها الا ان نداءه باسمها طعمٍ آخر وهي تسمع اسمها بصوته حرفٍ حرف هذا
شعور آخر لا توصفه كلمات…..لكنه الأجمل من
بين اي غزل يلقيه عليها…….
“باكل ياحبيبي……افطر انت عشان شغلك…..”
مد لها لقمة مغمسة بالجبنه وقدمها امام شفتيها
وقال بنبرة حلوة عميقة…..
“طب خدي دي من ايدي………..افتحي بؤك….”
كالطفلة المنبهرة فتحت فمها وهي تنظر اليه بحب
جارف……….وحينما وصلت اللقمة فمها تركت اثر بسيط من الجبنة على زاوية شفتيها مسحها
ابراهيم بابهامه واعدها الى فمه ثم عاد ياكل
بهدوء وكان شيءٍ لم يكن……..
ترى لماذا رحل التجهم والصمت؟…….سالت نفسها
لكنه سحبها من قوقعتها بتقديم لقمة اخرى لها..وهي لم تبدي اعتراض بل اكلت من بين يده…..
عليها ان تعترف ان الطعام بتلك الطريقة اشهى والذ يملئ المعدة…ويغذي والقلب وروح فماذا تريد اكثر من هذا………
……………………………………………………………
فتحت نوال الباب فوجدت سمر واقفه امامها مرتدية
عباءة بيتي أنيقه تنظر لها بابتسامة مشرقة…
وملامحها ناصعة ومتوردة….وشعرها الطويل
متدلي على ظهرها بموجات راقصة…..
ابتسمت نوال تلقائياً وهي تفتح لها الباب قائلة….
“سمر…….تعالي ياعروسه….وقفه على الباب ليه….”
حينما خطت سمر بقدمها المكان عانقت نوال
بحرارة ومحبة وهي تقول…..
“ازيك ياماما……….عامله إيه……جيت افطر معاكي وقعد معاكي شويه…. قوليلي فطرتي ولا لسه…. ”
ابتسمت نوال بمحبة وهي تعانقها بحنان ممرره يدها على شعرها الاسود الطويل…..فقد اعجبها نزول سمر اليها صباحا كي تطمئن عليها وتشاركها ساعات الصباح……..
فصلت نوال العناق وهي تقول بصوتٍ لين….
“لا لسه مفطرتش….بحضر الفطار……..عمك راضي نزل بدري معرفش راح فين…..وابراهيم قبل ما يروح
الشغل نزل بص عليا….ومسكت فيه يفطر مرضاش…
وقال ان فطر معاكي…….”
قالت سمر وهي تتجه للداخل بحرية…..
“هو احنا فطرنا فعلاً….. بس انا كلت نص بطن كده عشان اكل معاكي…….قوليلي هتفطريني اي بقا…..”
ضحكت نوال وهي تشير على المطبخ قائلة….
“هدخل اعمل الفطار دلوقتي…….”
منعتها سمر وهي تتجه اليها وتمسك بها….
“خليكي انتي ياماما…. انا هحضره ليكي….. قوليلي عايزه تفطري إيه…….”
ابتسمت نوال بمحبة قائلة بكرم الأم اذا
أحبت….
“افتحي التلاجه ولي عينك تيجي عليه اعمليه… دا بيتك……. وانتي زي رباب ورحمة…….”
ابتسمت سمر قائلة بلطف…..
“حبيبتي ياماما…. ربع ساعة وتلاقي احلى فطار عندك………”ثم اضافت وهي تدخل المطبخ….
“وحضري السبرتايه ياماما….. وحشني طعم القهوة من عليها……”
بعد مدة قصيرة خرجت سمر تحمل اشهى اطباق الفطور على صنية متوسطة الحجم….وضعتها على المنضدة….وقد انهت نوال اعداد فنجانٍ من القهوة
وقد شغلت الراديو القديم على صوت احد اغاني
الراحل محمد عبد الوهاب………
وكانوا يجلسوا في صالون البيت على احد الارائك ذي الطراز القديم الكلاسيكي…. كان البيت نظيف ومرتب فنوال من امهات الزمن الجميل….. تلك الام التي تستيقظ فجراً تنظف وترتب قبل طلوع
الشمس وتبخر الغرف صباح اليوم ببخور معطر
دافئ وتفتح نوافذ البيت تاركه للشمس حرية
التسلل لبيتها المتواضع ناشره الدفئ وطارده
اي طاقة سلبية في المكان………
قضمت سمر من اللقمة وهي تشعر براحة غريبة بهذا البيت نفس الشعور الذي تسلل اليها يوماً حينما دخلت هنا أول مرة واحتست فنجان قهوة مع والدته
يومها عرفت انها لا تناسبه بعد حديث امه عن رغبتها في ارتباطه بابنة عمه فقدت وقتها الأمل من ناحية هذا الانجذاب الذي ما كان إلا اعجاب به……
شق شفتيها ابتسامة ذاهلة… وهي تتابع بعينيها جلوسها على نفس الاريكة برتبة زوجة ابن تلك العائلة الوحيده…. ابراهيم راضي….. من كان يصدق ان الايام ستدور وتجلس نفس الجلسه مع تلك المرأة بنفسٍ راضية !!…….
من كان يصدق ان كل شيءٍ انتهى وانعم الله عليها بحياة هادئه…. وزوج حنون يعشقها… واسرة من زمن
يود الكثير العيش به ولو لأيام…… اسرة محترمة حنونة متفهمة والاهم تخاف الله ولديها مبادئ…
وقناعات……
نعم ياسمر وانتِ يجب ان تحافظي عليها وتكوني اهلا لذلك…… فالحياة لا تمنح المرء إلا فرصة واحده
صادقة ان تمسك بها واعطاها كما نال منها سيعيش
مرتاحاً طوال حياته……
رفعت فنجان القهوة واخذت منه رشفة فوجدت
نوال
تعطي لها بيضة مسلوقة قائلة بنصح الام….
“كُلي البيضه دي كمان ياسمر….عشان تقويكي…
وخفي قهوة وفطري كويس… ”
ابتسمت سمر ولمعة عيونها…. تلك المرأة لا تذكرها بامها اطلاقاً… انها تذكرها بجدتها كبيتها هذا تماماً
عليها ان تعترف انها لم تحب امه فقط لانها هي من أنجبت حبيب قلبها انها تحب امه لانها تذكرها بزمن
جميل دافئ كانت تشعر بحلاوته ودفئة مع جدتها رحمة الله….. وهي تذكرها بها…. تصرفاتها وهدوءها طيبة قلبها ومسالمتها في الحياة… كل شيءٍ يذكرها بجدتها وهي في الحقيقه أحبت جدتها اكثر من
امها…….
وهذا ظلم لامها لكنها حقاً أحبت جدتها اكثر من
امها……. وحزنت بعد فراقها…… كسر قلبها وكأن
جدتها اخذت قطعه منها ورحلت……
رفعت سمر عينيها وقالت لنوال بهدوء….
“صحيح ياماما…. ابراهيم قال انك بتاخدي دوا بعد الأكل….. فين عشان اجبهولك تاخديه…….”
منعتها نوال وهي تنظر اليها بحنو….
“خليكي انا هقوم اجيبه شويه كده… قوليلي عامله اي مع ابراهيم……”
توردت وجنتيها سمر وهي تقول بحياء..
“الحمدلله…. كله تمام…. ابراهيم جدع وحنين..
ربنا يبارك فيه…….”
ربتت نوال على يدها قائلة بلوعة أم….
“ربنا يسعدكم ياحبيبتي……. دا بيحبك اوي…..”
قالت سمر تلقائياً بحب….
“وانا والله ياماما…….بحبه اوي.. ”
اومات نوال وهي تتذكر حديث رحمة وتضحية سمر لأجل ابنها…… فقد القت بنفسها للجحيم كي ينجي
ابنها واخيها من براثن الشيطان…. اطرقت نوال براسها وهي تقول برفق وحرج….
“عارفه ياحبيبتي…….. ربنا يخليكوا لبعض وما
يحرمكم من بعض أبداً…….”
“ويخليكي لينا ياماما……”
طبعت سمر قبلة على وجنتها وهي تحمل الصنية وتنهض…. ثم قالت بهدوء…..
“انا هغسل الطبقين دول وهنزل ابص على امي تحت…….. وطمن عليها وعلى خالي……”
اومات لها نوال سريعاً بتفهم حاني…
“ومالوا يابنتي امك وليها حق عليكي…. سلميلي عليها…….. وقوللها ام ابراهيم مستنيه زيارتك ليها
عن قريب……..”
قالت سمر وهي تتجه للمطبخ….
“اكيد هقولها من عنيا…..” دلفت للمطبخ وطرق
الباب بعدها……..
نهضت نوال قائلة بهدوء….
“خليكي ياسمر….. دي اكيد حبيبة……جايه تبص
عليا زي كل يوم……. ”
رفعت سمر عينيها وهي تغسل الاطباق عند
الحوض…وقد سمعت من الخارج صوت حبيبة
ونوال…فجففت يدها بعد ان انهت غسل
الاطباق…..وخرجت من المطبخ…..
اتجهت نحو حبيبة فوجدتها جالسه على احد المقاعد
وتحدث زوجة عمها بفتور….لكن عينيها كانتا حزينتين يائستين…متعبتين… وكانها لا تنام
وتبكي ليل ونهار ملامحها شاحبه…..وبدت هزيلة
ذابلة عن السابق….وكل هذا في خلال أسبوع !!…
حال أحمد كان اسوء منها ومع ذلك هي أيضاً
مختلفة وهناك شيء مؤثر على نفسيتها…فجعلها
تظهر بصورة متعبة مرهقة وكانها….. مريضة
بماذا تطمئن اخيها ياترى؟….فهي نفسها لم تتطمئن بعد رؤية حبيبة بهذا الشكل…….
حانت من حبيبة التفاته للجانب الاخر فوجدت سمر
تقترب منها وهي تنظر اليها ملياً بقوة…..
اسبلت حبيبة عينيها وخفق قلبها وكانها راته هو
لا أخته…
بلعت ريقها وهي تنتبه لحديث زوجة عمها القلقه عليها…….
“مالك ياحبيبة يابنتي… امك بتقول ان حالك مقلوب من ساعة فرح ابراهيم…. هو في حد ضايقك هناك ولا زعلك…….”
قالت حبيية بنفي وبصوتٍ باهت….
“مفيش حاجه يامرات عمي…… انا كويسة…..”
قالت نوال بعتاب وحزن على حالها الذي تبدل للنقيض…….
“إزاي بس دانتي علطول قفله عليكي اوضتك… وبتاكلي اللقمه بالعافيه وبالمنهدة من امك… دا غير الجامعه اللي بطلتي تروحيها ومحضراتك… انتي عايزة تعيدي السنه ولا إيه…….دي اول سنه
ياحبيية ولسه المشوار قدامك طويل بابنتي….”
ربتت على كتفها واضافت بحزم….
” جرالك اي يابشمنهدسة….. مش ناويه ترفعي راسنا قدام اهل الحته ولا إيه…… دا انتي الوحيدة اللي دخلتي الجامعة في عيالنا والامل كله فيكي…… ”
اطرقت براسها وهي تقول برفق….
“متقلقيش يامرات عمي…. ان شآء الله هنجح السنادي…….”
نظرت نوال اليها بعدم رضا مضيفة….
“فين وانتي مقصرة بشكل ده….. اوعديني انك هتاخدي بالك من نفسك ومن دراستك….”سكتت نوال وهي تمسك ذراعها وتتكأ عليه متفحصه اياه ثم مطت شفتيها بحنق قائلة…….
” اي ده انتي خسيتي كدا ليه يابنتي… انا مش عارفه صفاء سيباكي ازاي كده….. انا هقوم احضرلك لقمة تاكليها وسخنلك كوباية للبن….. زمانك مفطرتيش
لحد دلوقتي……. ”
امتنعت حبيبة سريعاً….. “لا يامرات عمي
مش عايزه….”
ضربت نوال على وركها بقلة صبر قائلة بصرامة
الأم…..
“جرالك اي احنا هنعيده تاني……. هتاكلي يعني هتاكلي…. انا محدش يجيلي هنا ويطلع جعان…..”
قابلت نوال سمر في الصالة فربتت على كتفها وهمست بهدوء وقلق……
“روحي قعدي معاها شوية ياسمر… يمكن تفك معاكي بكلمتين ونعرف مالها…….”
اومات لها سمر وهي تتجه الى حبيبة… التي نهضت وسلمت عليها بعناق حاني قائلة بمباركة….
“عامله إي ياعروسة……. الف مبروك……”
ابتعدت عنها سمر قائلة بعتاب……
“الله يبارك فيكي….. جايه متاخر اوي…. فين من أسبوع محدش شاف وشك……”
قالت حبيبة بحرج وهي تعود جالسه على
مقعدها…..
“معلش كنت تعبانه شوية……”
سالتها سمر بلؤم وهي تجلس مكان حماتها وتنظر اليها بتشكيك……..
“باين انك تعبانه…. بس يترا تعبانه عندك إيه….”
مررت يدها على حجابها بتوتر وقالت باختصار
“شوية برد يعني……”
اومات سمر بعدم اقتناع قائلة…..
“حتى احمد كمان تعبان…….”
خانها قلبها وسألت بلهفة عنه……
“ماله احمد……. عنده إيه…….”
اجابتها سمر بنزق……. “نفس اللي عندك…….”
زمت حبيبة شفتيها بسخرية…وتلقائياً
اجابت……
“مظنش……”
سالتها سمر بقوة رغم خفوت صوتها….
“اي اللي حصل بينكم ياحبيبة……”
قالت حبيبة بنفي…….
“ولا اي حاجة…….”
اصرت سمر وهي تقول بقوة…..
“حبيبة….ممكن متخبيش عليا….وتقوليلي حصل اي بظبط………”
هزت حبيبة راسها قائلة باختصار….
“صدقيني ولا حاجة…. انا بس حسى اني فوقت من الهبل اللي كنا بنعمله…..وحبه اركز في دراستي وحياتي اكتر من كده……”
قالت سمر بقوة وبقلب اخت….
“ولي مقولتلوش الكلام ده……….بدل ما تقفلي الباب في وشه مرة واحده……”
رفعت حبيبة حاجبيها ونظرت لسمر بدهشة… حمحمت سمر بحرج وهي تعدل من جملتها…
“اكيد انا مش راضيه عن الهبل اللي كنتوا بتعملوا في الأول ……بس انسحابك بطريقة دي وجعه…. وانا عارفه اخويا….. ليه مقولتلهوش الكلام ده ومشيتي
وقفلتي كل البابان زي مانتي عايزة…… بس عشان
يريح نفسه من اللف والدوران……..”
زمت حبيبة شفتيها قائلة بتهكم…..
“انتي متعرفيش اخوكي بيعمل إيه…. كمان اخوكي
مش من نوع اللي بيقف عشان حد… انا زيي زي غيري عنده….. فعادي يعني….مش فرقه….”
قالت سمر بحزن مع تذكر هيئة اخيها عند باب
شقتها وهو يسالها عنها بلوعة…….
“لم سألني عليكي مبنش انك عنده زيك زي
غيرك………”
رفعت حبيبة حاجبها بحيرة…..
“امتى سالك عني…..”
قالت سمر
“من كام يوم بس…..”ثم اقتربت منها سمر ومالت عليها برفقاً قائلة بهدوء…….
” اسمعي ياحبيبة…. انا اكتر واحده مبسوطه من الخطوة اللي انتي خدتيها دي…. وكمان كبرتي في نظري….. واحترمت قرارك اكتر……. لكن انا عايزاكي توجهي احمد بكلام ده…. وتثبتي على رايك مهم
الح او اقنعك عشان تفضلوا مع بعض……. ”
اخذت سمر نفسٍ طويل ثم قالت…..
“أحمد كمان حاله متشقلب….. لا بياكل ولا بيشرب
ولا مركز في دراسته………دا غير السجاير اللي بدأ يشربها…….”
عقدت حبيبة حاجبيها وتمتمت ذاهله…..
“سجاير ؟!….”
اومات سمر وهي تحكي لها…..
“ايوا دا اللي عرفته من امي بليل وانا بطمن عليها في التلفون…وكالعادة زعقت معاها وتعاركه ورضاها بكلمتين وقالها اخر مرة ومش هرجعلها تاني……”
مطت سمر شفتيها وهي تضيف باستياء….
“بس دي مش هتكون اخر مرة انا عارفه كده كويس……..اللي بيبدأ في زفته دي بيفضل بيها طول عمره……..وابن عمك اكبر دليل على كلامي…”
اسبلت حبيبة جفنيها وبدأ قلبها يخفق لوعة وشوق إليه….. شعور الضعف في حبه يزعجها يجعلها مذبذبه في البعد….. في الغضب منه من ما فعله في عرس
اخته………. نظراته على الفتيات رقص مُنى امامه
كيف تتنازل وتصفح وهي موجوعه منه بقوة… والغيرة عليه والغضب منه يشعلون قلبها
الرقيق…..الخام والذي لم يعرف الحب إلا على
يدي شخصٍ للاسف لا يائتمن على قلبها…….
مسكت سمر يدها تنتشلها من هذا الضعف وهي
تقول بحزم…..
“انا مش بقولك كده…عشان قلبك يحن وترجعي
في كلامك…….انا بس عيزاكي تقبليه وتفهميه ان الموضوع بينكم اتقفل على كده…..وانكم لسه
صغيرين ولما تتخرجوا يسهلها ربنا…….المهم تركزه في دراستكم ومستقبلكم عشان مفيش حاجة تعطلكم عنهم….والحب والجواز دول بيجو بعد ما الانسان يحقق ذاته ويثبت نفسه قدام الناس وقدام نفسه قبل اي شيء…..ولا انتي شايفه اي يابيبه….”
اومات حبيبة براسها بتفهم وهي تقول
بهدوء…….وداخلها رفض تام في رؤيته مرة
أخرى….
“هكلم معاه اكيد…..وفهمها وجهة نظري……..حتى
لو مفهمهاش المهم اكون وصلتها ليه…..وبس….”
صدح هاتفها برسالة صوتيه على الوتساب…..
نهضت بقلق بعد ان رأت ان الرقم غريب وغير مسجل…….
“بعد اذنك ياسمر هرد على واحده صاحبتي…..”
اومات لها سمر وهي تراها تدخل احد الغرف… وبعدها سريعاً اتت نوال حامله صنية صغيرة عليها فطور شهياً اعدته لحبيبه….. سألت نوال تلقائيّاً
حينما وجدت سمر جالسه بمفردها…..
“هي حبيبة مشيت ولا إيه……”
هزت سمر راسها وهي تشير بعينيها لاحد
الغرف المغلقة…….
“لا ياماما…… دي بتكلم في التلفون في الاوضه دي…….”
جلست نوال جوراها وسالتها بقلق….
“معرفتيش منها حاجة……”
هزت سمر راسها بحرج وهي تبعد عينيها الكاذبة
عنها وقالت……
“مقالتش حاجة……يعني مضغوطه شوية من
المذكرة والجامعه…….”
خرجت حبيبة في تلك اللحظة محمرة العينين بنظرات غائرة…. ووجهها شاحب شحوب الأموات وشفتيها تتحرك برجفة غريبة……
نهضت سمر تلقائياً بقلق واقتربت منها ثم مررت
يدها على وجنة حبيبة الشاحبه……وسالتها
باهتمام وقلق……
“مالك ياحبيبة…وشك مخطوف كد ليه….في حاجة حصلت كنتي بتكلمي مع مين في التلفون…..”
بلعت حبيبة ريقها وهي تنظر لسمر لبرهة بهدوء
لا يحكي عن نيران صدرها الثائرة……..
“لا دي واحده صاحبتي…….”
قالت نوال تلك المرة بحيرة وتشكيك…..
“واحده صاحبتك إزاي……وشكلك عامل كدا ليه قالتلك اي صاحبتك دي……..”
نظرت لزوجة عمها ثم قالت بصعوبة…..
“اصلها تعبانه شويه…وانا قلقت عليها….انا هطلع فوق اكلمها……… لحسان التلفون فصل……”
اقترحت سمر وهي تمسك ذراع حبيبة بقلق…
“تحبي تكلميها من عندي…..”
هزت راسها سريعاً بنفي وقد جرت عباراتها على وجنتيها……..
“لا…. لا…… رقمها متسجل في دفتر بتاعي…..هطلع اكلمها من فوق احسن……..”ابتعدت عنهم بخطوات اشبه بالركض وهي تمسح دموعها…..
ازداد انعقاد حاجبي سمر وهي تتبادل النظرات
مع نوال بشك وقلق على تلك المراهقة الصغيرة….
………………………………………………………….
حينما خرجت من الشقة واغلقت الباب… وقفت للحظات تاخذ انفاسها المسلوبة بصعوبة….. لا تسمع صوت الا صوت انفاسها العالية… وخفقات قلبها العالية الموجوعه…….
هل ما سمعته للتو حقيقي… ماذا….. هل احمد فعل هذا…… هل قال هذا الكلام لمُنى….هل وصل لهذا القاع……. واين هي الان….. في نفس القاع معه !!…
شعور النفور احتل ملامحها الشاحبه….. نفور منه ومن نفسها………وعقلها يردد بشتات…..
احمد….. هل خدعتني….. اعترافك بالحب كان
مزحه سخيفة….. ماهي إلا مزحه كي تنال مني ومن قلبي…….. احمد هل كنت بنسبة لك كالباقية
لديك…… هل كنت بهذه السذاجة حينما وقعت في حبك في لحظة غباء وسن لا يسمح إلا بتهور المرء………
احمد قلبي يؤلمني….. ماهذا الوجع… ولماذا اشعر بالغثيان لمجرد تذكر كلماتك الوقحة في رسالة مع أخرى…. وماذا عن ما كان بيننا من مشاعر وحب خلال تلك السنة والنصف……
نزلت دموعها وهي تنظر للبعيد بعيون غائرة..
هل خدعتني للتو…. مقلب هذا….. وستخرج الان تخبرني انك كنت تمزح… وانك لم تخن قلبي
يوماً……
انا ظننت انك احببتني…. بالله عليك…. كيف هونت
كيف هونت يا أحمد…. وانت لم تهون يوماً علي…..
ضربت صدرها بقوة وهي تبكي بحسرة…. النيران تحرق صدرها والدموع لا تساعد في تهدأت اوجاعها
بل تتزايد اكثر داخلها…. وكانه جبل شامخ وقع فجأه
عليه لم يقتلها بل اعجزها وظلت في قوقعة الالم حبيسة…….
رفعت راسها للأعلى تحاول سحب الهواء لريئتيها لكنها لم تجد طريقٍ للتنفس وباتت تختنق أكثر
مما جعلها تسعل……
وضعت يدها على فمها وهي تسعل بصوتٍ
مكتوم…… وعينيها الزيتونية تتحرك عند باب
شقتهم وشقة زوجة عمها التي تقف عندها…….
نظرت للاعلى حيثُ شقة ابراهيم وسمر ويليها
سطح المنزل…..صعدت للاعلى وهي تحاول سحب الهواء لريئتيها مجدداً…..ولكن كان الأمر صعب والهواء الذي يدلف لريئتيها بسيط محدود يتعبها أكثر……
انها حقاً فقدت القدرة على التنفس بشكلاً
صحيح…….
سندت على سور السلم في صعودها….حتى وصلت للسطح جلست على اقرب اريكة……
كان السطح فوق شقة ابراهيم منظم جداً….في احد الاركان قد وضع ابراهيم اريكة ومقعدين ومنضدة
أنيقة ومظله فوقهم كبيرة تحمي الجالسين من اشاعة الشمس……وفي أحد الاركان هناك أيضاً مظلة كبيرة تظلل على ارجوحة ارجوانية على شكل مقعد بيضاوي الشكل…….
كان السطح محيط بسور عالي لخصوصية أكبر…..
وكان شكله جميل ومريح نفسياً….خصوصاً مع
الهواء المنعش وسماء الصافيه فوقك……..
نزعت حبيبة حجابها والقته باهمال على مؤخرة عنقها……
ثم نظرت للبعيد بوجع والعبارات تهبط من زيتونتها
الحمراء……….والهواء يطير شعرها البني الفاتح للخلف بجمالاً شاجناً….فتكتمل صورة ملكة الثلج الرقيقة البيضاء……. تلك التي اسرت قلباً عرف
الحب قبل أوانه……
صدح هاتفها برنين مميز….. تعلم صاحبه جيداً.. فهي كانت تنتظر مكالمته رغم مشاعرها الثائرة….
تنتظر مكالمته بعد ان أرسلت له الرسالة الصوتية التي اتتها دون اي عنوان معها……. قاصدة المواجهة وانهاء تلك الكذبة السخيفة وبتر هذه العلاقة الهازئه…….التي لا تهزء إلا من سذاجتها معه…..
أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت الخط ووضعته على اذنها…….ومزال وجهها شاحب غارق في دموع……ونظراتها غائرة حزينة……
ات صوته سريعاً بلهفة عبر الهاتف…..
“حبيبة……..”
خفق قلبها بقوة وليس على القلب سلطان لكتم خفقات الحب……..اتكات على اسنانها ولم ترد
لتجده يحدثها بنفس اللهفة وندم……
“حبيبة…..ردي عليا…….حبيبة والله العظيم…والله العظيم المكالمة دي قديمة…..والله من قبل ما عرفك…….”
لوت شفتيها بسخرية لتجده يتابع وكانه راى ابتسامتها الهازئة منه…..
“مش مصدقاني….انا بحلفلك بالله انها من قبل ما عرفك…..والله العظيم كمان مرة انا بطلت اكلم اي واحده من ساعة ما عرفتك……حبيبة ردي
عليا………..انا تعبان لوحدي……عشان خاطري
ردي عليا…… ”
أخيراً تكلمت بهمس خافت وبنبرة باكية…..
“ينفع تبعد عني…..عشان انت اكبر مقلب خدته في حياتي……..”
قال عبر الهاتف بنفي وهو يقول بلهفة حانية…
“لا يا حبيبة مش هبعد….بطلي عياط وسمعيني…
الحوار دا قديم من قبل ما اعرفك…..مش معقول هتلوميني على حاجة عملتها من قبل ما عرفك….”
سالته بنبرة باهته…..
“لو انا مكانك هتسامحني………”
صاح بعصبية اليها……
“بلاش الكلام العبيط ده……….اسمعي….”
قاطعته صارخة شاتمه اياه……
“اسمع انت…..انت اناني وكداب…..والغلط عندك ليه الف مبرر وجرحي مش سهل يداوى بكلمتين متزوقين من بتوعك…..”ارجعت شعرها للخلف وهي تبكي بقوة…..قائلة بحرقة….
“انت محبتنيش……..اللي بيحب مبيعملش كده…اللي
بيحب بيخاف وبيحافظ وانت معملتش كده..بالعكس يا أحمد……انت كنت عايزني اكون نسخة من مُنى
ولا ناسي رسالتك……….”
بلعت ريقها ومسحت دموعها وهي تضيف ساخرة بمرارة……
“بلاش دي……بتقول ان المكالمة قديمة…تمام وفرح اختك كان برضو قديم…. بصاتك على البنات في الفرح ورقص مُنى قدامك كان برضو قديم……..انت متغيرتش لسه زي مانتَ عينك فارغة….وبتحب تبقا تحت الاضواء دايما………أحمد اللي بتحبه حبيبة الهبلة…هو نفسه احمد اللي هتموت عليه مُنى…هو نفسه احمد اللي بيعلق اي واحده معديه من جمبه بنظرة من عينه………هو نفسه احمد اللي ميقدرش يعيش دور بطولة واحده……بيحب اللمه والهيصه واهم حاجة لمة البنات حوليه…….هو نفسه احمد
اللي حبيته وتعلقت بيه…. احمد اللي كنت واثقه فيه… وبروح معاه اي حته وانا مغمضة…. هو نفسه احمد اللي غشني وكان بيلعب بمشاعري زيي زي اي واحده عرفها…….. ”
همس لها احمد بصوتٍ حزين…….
“انتي مش زيهم ياحبيبة……. والله ما زيهم…..”
بكت اكثر ومن بين دموعها قالت بمرارة…..
“انت اللي وصلتها لكده يا أحمد…..انا فعلاً زيهم….
انا كلمتك في تلفون وخرجت معاك…. كدبت على اهلي وغشيت نفسي……. عملت كل حاجة تثبت اني
بنت مش محترمة زيهم……..”
هتف بنزق محاول التبرير بكل الطرق….
“الزمن اتغير…… غيري العقلية وتفكير ده عشان خاطري…”
قالت حبيبة بسخرية مُره…..
“الزمن اتغير فعلاً…… بس الاخلاق مبتتغيرش… احنا اللي بنغيرها واحنا اللي بنحافظ عليها….” جزت على اسنانها وهي تحاول التحدث بنبرة اقوى…..
“عشان نقفل الموضوع ده…… دي اخر مرة هكلمك فيها…….”
همس معترضاً بلوعة……
“لا ياحبيبة مش اخر مرة…. عشان خاطري… اسمعيني…….”
اصرت بقوة وهي تنظر للفراغ بكبت……
“لا مش عايزة اسمعك…… مش عايزة…. لو فعلاً بتحبني ابعد عني……. سبني اركز في دراستي وحياتي……. كفاية…. انت علقتني بيك لدرجة
خلتني عامله شبه المدمنة اللي مش قادرة توقف
ولا قدرة ترجع زي الأول……..”
قال أحمد بلوعة ونبرة رجولية باكيه لاول مرة تسمعها من رجلاً على العموم !!……
“وانا متعلقتش بيكي…. ردي عليا…….. انا
محبتكيش…..انا بقالي اسبوع هموت وسمع صوتك ويوم ما تكلميني…… تقوليلي ابعد عني…. ازاي…
إزاي ياحبيبة……… انا مش هقدر ابعد……..”
نزلت دموعها وخرجت شهقة مؤلمة من بين شفتيها
وهي تسمع بكاءه على الخط……. حشرجه خشنة وصوت رجولي باكي…. اصابها في مقتلها…….فقالت
هاربه من شعور الضعف الذي انتابها فجأه……
“انا لازم اقفل….. الموضوع انتهى يا أحمد…..”
تراجاها بهمساً رجولي متعب…….
“متعمليش كده ياحبيبة… انتي عارفه اني مبكدبش عليكي…….. المكالمة دي قديمة… ولو اللي حصل في الفرح ضايقك عتبيني……بس متقفليش الباب في وشي….. انتي عارفه اني مقدرش استغنى عنك…”
هزت راسها وهي تقول بنفس
الحزم…
“الموضوع انتهى……… يا احمد…….”
همس بنفس النبرة الرجوليه الباكية….
“عشان خاطري ياحبيبة….. المرادي بس واوعـ..”
شددت على كلماتها رغم ضعف صوتها الباكي….
“معتش ينفع…….. كل اللي كنا بنعمله من الاول كان غلط……… احنا لسه صغيرين ودارستنا ومستقبلنا الاهم………..”
احتدت نبرته فجأه وقال بعصبية من بين
اسنانه…….
“تمام…… ركزي انتي في درستك وحياتك… وسبيني انا لحياتي…….. زي ما تحبي….. انا كمان مش عيزك في حياتي……… سلام…….”
لم تسمع إلا انذار اخترق اذنيها ان الاتصال انتهى سريعاً…. وبقى الفراغ وصوت الرياح هما الشيء الوحيد الحي هنا…….
وقلبها….. آآه من قلبها انها فقدت الشعور به… هل
يخفق كالعادة ام توقف بعد كلماته……..
وضعت يداها على راسها وانحنت بانهزام وظلت تبكي وتلك المرة تركت العنان لشهقاتها والتي
كانت تحمل اشد شعور بالألم………
الفراغ بعد الفراق !!……….
………………………………………………………
“مالك يا أحمد……”
رفع راسه لامه التي دخلت اليه الغرفة وجلست جواره على حافة الفراش…..وهي تتحسس كتفه
بحنان……
“مالك ياحبيبي….وشك احمر كدا ليه…ومال عينك…انت كنت بتعيط……”
هز راسه نفياً وهو يمسح وجهه سريعاً
قائلاً لامه بهدوء وهو يدير وجهه عنها……
“مفيش حاجة يازوزو…….انا بس تعبان شوية….”
سالته والدته بقلق….. “فيك اي طيب……”
القى نفسها على الفراش خلفه وهو يقول
بنبرة حزينة…..
“جسمي همدان………سبيني انام شويه وانا هبقا كويس……….”
سالته زينب بقلق اكبر وعيناها تطوف على ملامحه المتشنجة…….
“انت مخبي عني حاجة يا احمد… قولي ياحبيبي…
دا انا امك…….”
رد عليها بنبرة باهته وهو يهرب من عينيها….
“لو في حاجه هقولك…….شوية تعب… مش
مستهله قلقك…..”
مررت يدها على شعره الاسود الغزير ثم مالت
وقبلة جبهته وهي تقول……
“هغطيك وسيبك تنام ساعة كده….. يكون الاكل استوى عشان تتغدى معانا……”
لم يرد عليها وظلت عيناه معلقة على سقف الغرفة…….. مما جعلها تتنهد بقلق وحيرة
عليه…… رفعت الغطاء عليه وربتت على كتفه ثم خرجت من الغرفة مغلقة الباب خلفها……..
بعدما أغلق الباب حرك احمد عيناه عند احد الزوايا ثم اخرج علبة السجائر من جيبه واشعل واحده منهم يحرق بها اعصابه…. وعينيه كانت تنظر للبعيد
بغضب وعجز………..
هل حقاً سيتابع حياته دونها…. هل حقاً انتهت
القصة هنا………
ارجع شعره للخلف واستند على أطار السرير
خلفه وهو يسحب من السجارة بشراهة…. ثم رفعها
امام عيناه بسخرية متمتما داخله باستهزاء…..
تذكري انني تعلمت هذا بفضلك !!……
…………………………………………………………
جلست امام الطاولة المستديرة وعلى سطح الطاولة
هناك اعواد من الملوخية……
اقتربت منها نوال وقالت بهدوء وهي تنهض عن الاريكة بعد تنقية الارز…….
“قطفي الملوخية انتي ياسمر… وانا هدخل اعلق على الرز وشوف اللحمة استوت ولا لا…..”
“خليكي يا ماما…..”
حاولت سمر النهوض حينما مرت جوارها نوال لكن نوال منعتها بمحبة الام…..
“يابنتي خليكي قعده وبطلي فرك……..سبتك تعملي الاكل زي مانتي عايزة… مفهاش حاجة بقا لو عملت شوية الرز دول………” اتجهت نوال للمطبخ….
ابتسمت سمر وعادت جالسة وهي تقطف أوراق الملوخية على سطح الطاولة…….
وضعت سمر السماعات باذنيها وشغلت احد الاغاني وبدات تدندن معها بخفوت ناعما…….. ابتسمت نوال وهي بداخل المطبخ بعد ان تسلل صوت سمر الناعم لاذنيها….
سمر تلك المرأة مفعمه بالطاقة بالحب بالعطاء… بصدق…جلست معها اربع ساعات كانت نعم الابنة قبل ان تكون نعمة زوجة الابن…. حقيقة لن تقولها
إلا بينها وبين نفسها……… ابنها محظوظ بتلك المرأه……
وهنيئاً لاطفالها فهي ستكون أجمل واحن أم لهم….
تابعت نوال طهي الطعام بنفسٍ راضيه…..
بعد لحظات صدح هاتف سمر ، تبسمت شفتاها تلقائياً ببسمة دافئة مشتاقة وهي ترى اسمه ينير الهاتف
فتحت الخط وحدثته من خلال السماعة….. همست بخفوت…..
“اي ياحبيبي….. عامل إيه……”
اخرج تنهيدة حارة خشنة وهو يخبرها بنبرة مرهقة…….
“مطحون في الشغل……”
فغرت شفتيها قائلة بدهشة…..
“ياساتر…. لي كده…… كل دا من اسبوع اجازة…..”
قال بخبث….
“شوفتي…… كلو بسببك……”
تنحنحت بخجل وهي تقول
بهمس….
“على فكرة انا تحت…عند امك……….”
عقد حاجبيه متسائلا…..
“لسه مطلعتيش كل ده؟……واضح ان احنا هنقضيها جبن النهاردة…….”
قالت وهي تتبسم بحلاوة….
“لا متقلقش…. احنا هناكل تحت النهاردة… امك عزمانا…….”
حك في ذقنه قائلاً بحب……
“كريمة الحاجة……. طول عمرها…… المهم وحشتيني……..”
اخرجت تنهيدة هائمة وقالت….
“وانت كمان ياهيما……. هتيجي امتى…..”
اجابها ابراهيم بهدوء….
“كمان ساعة…….تحبي اجبلك حاجة معايا وانا
جاي غير الشوكلاته البيضه دي…….”
هزت راسها بنفي وهي تقطف اوراق الملوخية
ثم قالت بحنان……
“لا مش عايزة حاجة… وبعدين التلاجة مليانه شوكلاته انت كل يوم بتجبلي……. انا مش عايزة
غير سلامتك….خد بالك بس من نفسك وتعالى بسرعة….”
قال ابراهيم بنبرة عادية…..
“طب ادي لامي التلفون اقولها حاجة…..”
اومات بتفهم….قائلة…
“استنى عشان هي في المطبخ…….”اتجهت للمطبخ
واعطت الهاتف لوالدته…..وبعد السلامات بينهما
ترقرقت عينا نوال بدموع الفرح وهي ترد
على ابنها بمحبه……
“عايزاك سالم ياحبيبي……لا والله مش عايزة
حاجه هو انت وابوك يعني مقصرين… الخير كتير الحمدلله……….بس مطولش يابراهيم عشان نتغدى سوا………طيب ياحبيبي مع الف سلامه…..”
اخذت سمر الهاتف منها ووضعته على اذنها فقال ابراهيم لها بوقاحة…….
“اعملي حسابك انا جاي كان النهاردة…ومش قادر
من ضهري…….”
سالته وهي تترك امه في المطبخ وتعود للطاولة…. “والمطلوب……”
اخبرها ببساطه….
“مساج يفك عضمي…….مش بتقولي انك شاطرة في الحاجات دي……”
اومات بصلف…..
“جداً…….. بكرة تعرف………”
قال بمراوغة ذكورية…..
“اما نشوف ياشبح………بليل هنشوف…….”
توردت وجنتيها وتنحنحت قائلة بحياء من وجود
امه…..
“اجل الموضوع ده….عشان انا راحه اخرط الملوخية….”
ضحك بقوة ضحكة رجولية خفق قلبها معها
وكان هو مستمتع بخجلها وارتباكها الملحوظ
بسبب وجودها مع والدته…..
“تمام…….. فهمت…….ناجله بليل…. ”
اغلقت الهاتف وعضت على شفتيها بخجل وهي
تعود بعينيها لاعواد الملوخية………
بعد مدة…..
حينما دخل الشقة فتح بالمفتاح فوجد والدته
جالسه على احد المقعد وبين يداها الابرة
والخيط تخيط جلباب والده وعلى الناحية الأخرى على الاريكة تجلس سمر تتابع احد المسلسلات الهندية…..
يبدوا على والدته انها اول مرة تتابع هذا المسلسل فكانت تسال سمر باستفسار كل خمس دقائق.. وسمر
ترد عليها بهدوء مستمتعه بمشاركة المسلسل معها….
قالت نوال بفضول….
“يعني دي امه ياسمر….. ولا مرات ابوه…..”
اخبرتها سمر وعيناها على التلفاز….
“لا دا ولا دا… دي مرات عمه ومربياه عادي من وهو صغير……. بس منفسنه….. تصوري عايزة تقتل مراته…..”
توسعت عينا نوال وقالت بدهشة…..
“ياساتر يارب…. اعوذ بالله من دي ناس…..اي الشر ده…..”
اشارت سمر بحماس على التلفاز….
“بصي ياماما…. اهي دي بقا مراته….”
لمعة عينا نوال وهي تتأمل بطلة المسلسل……
وقالت بتلقائية الأم….
“قمر….. ياختي بسم الله ماشاءالله… مش عجباها ليه دي شكلها حلو… ووشها سمح حتى…….”
نظرت لها سمر ثم نظرت للتلفاز واشارت على
احد الابطال….
“ياماما لا هي عايزة تجوزه دي…. دي اللي لبسه
ساري زيتي…..”
مطت نوال شفتيها بعد ان ابصرت المرأة من
شاشة التلفاز…… وقالت سريعاً…..
“دي بوومه………. مش مستريحالها……”
اومات سمر وهي تقول بسرعة حماسية….
“ماهي فعلاً شرانيه….. شوفت على النت في الحلقات
الجايه يعني….. ان هي هترميها من فوق الجبل…..”
ضربت نوال على صدرها بصدمة وتاثراً كما لو
ان البطلة من افراد العائلة……وقالت بحزن…
“يالهووي….. وهتموت…..”
هزت سمر راسها قائلة بنفس
الحماس…..
“لا لا هتفقد الذاكرة وترجع تقبله تاني…..”
سالتها نوال بفضول…..
“الله…. دا بيجي الساعة كام ياسمر عشان اتابعه….”
اخبرتها وهي تعود بعينيها لمتابعة
المسلسل…
“خمسه ياماما……. خمسة بظبط على القناة دي….”
قالت نوال بطيبة……
“ابقى اتابعه بدل مانا قعده زهقانه……”
اخبرتها سمر بهدوء….
“في واحد برضو وراه جاامد اوي…..”
قالت نوال بفضول……
“والله……… طب احكيلي قصته…..”
اخبرتها سمر وهي تتابع التلفاز
باهتمام….
“طب استني لم يجي عشان اشورلك على
الابطال……”
اطرق ابراهيم براسه وهو يكبح ضحكته…. مظهرهم وهم يتجادلون على نوعية تلك المسلسلات غاية في
البراءة الاقرب للسذاجة…. رغم انه ليس من محبي المسلسلات لكنه يتذكر جيداً في فترة المراهقة كان اوقات يضطر للجلوس مع شقيقتيه لمتابعة مسلسلات هندية سخيفة فقط لانهم يحبونها
وكان يضطر للجلوس تلك الساعة حتى يبدل
المحطة بقنوات المصارعة……او محطات
الرياضة……
كان نفس التاليف وهي هي القصة باحداثها مع اختلاف الأبطال………وتصوير كان شيءٍ مستفز يفور الدماء !……
رفعت سمر عينيها فوجدته امامها…. افتر ثغرها في ابتسامة تقطر عسلاً وهي تتقدم منه….
“ابراهيم…… جيت امتى…. معقول محسناش بيك وانت بتفتح الباب……”
اقتربت منه سمر ومررت يدها على كتفه فمال عليها
وقطف من وجنتيها الوردية قبلة عميقة متعبة حانيه
تبث شوقه لها خلال تلك الساعات الطويلة…..
اسبلت جفنيها… هي تموت خجلا حينما يقترب منها او يحدثها امام عائلته…….
اتجه الى امه وقبل راسها ويدها قائلاً…..
“عامله اي ياحاجه….. بتخيطي إيه……”
اخبرته نوال وهي تغرز الابرة في
في جيب الجلباب…….
“جيب القفطان بتاع ابوك……….” ثم اضافت بعد ملاحظة الام الدقيقة….. “شكلك تعبان……. ”
اوما ابراهيم براسه قائلاً…..
“كان يوم صعب…. قوليلي الحاج راضي فين…..”
اخبرته والدته بفتور….
“دخل يصلي العصر…. زمانه فتح المصحف وبيقرا فيه…. على ماتيجي…….”
اتجه الى زوجته وجلس جوارها على
الاريكة….. وقال لامه “مذنبكم انا صح…….”
تبسمت والدته قائلة بمحبة…..
“شويه…… بس برضو اللقمه ميبقاش ليها طعم من غيرك….”
قالت سمر بعتاب…
“هو بس ياماما……..”
ضحكت نوال وقالت بمودة….
“انتي قبليه ياسمر……….”
هتف ابراهيم بدهشة مصطنعة…..
“يسلام…. دي قعدت معاكي ساعتين كلت الجوو…”
ثم نظر لزوجته وقال بمزاح….
“خفي ياسمر رحمة ورباب لو عرفوا هيكلوكي……”
قالت نوال بقوة وصوتٍ حازم….
“يبقا حد يكلمها كده منهم…. هما عرفني لم بقلب…”
ارجع ابراهيم راسه للخلف بدهشة حقيقية
ثم غمز لسمر في الخفاء وهو يعود لامه قائلاً بمزاح……
“لا دا الموضوع كبير…. انا لو كنت اعرف كده كنت لخصتلك المسلسلات كلها في كلمه…….”
ضحكت والدته واطرقت براسها وهي تكمل
الخياطه……

اغمض عيناه بتعب تحت لمسات اصابعها الناعمة
على راسه….. كانتا عينا سمر تتابع التلفاز قليلاً
ثم تعود ناظرة لابراهيم فقد اغمض جفنيه……
و ذهب في ملكوت آخر بعيداً عنهم…….
همست سمر بدهشة وحرج من وجود امه….
“اوعا تقولي انك هتنام……”
“هشش….. اتفرجي على المسلسل……وسبيني… ”
اخبرها وهو مغمض العينين مستمتع بقربها ولمساتها الحانيه ورائحتها الناعمة….البخور… عطر المسك والعنبر…….من يمتلك تلك الرائحة غيرك ياقطعة السكر…….آآه من عيونك السوداء…الامعة كالؤلؤ براق…..وشفتاكِ الحمراء……ممتلئة امتلأ شهي…..
ملامحكِ الانثوية الشرسة…..خلفها انثى حنونة
فاتنة لابعد حدود……شعرك المموج المتمرد…..
هو منفرد مثلك…….
تلك الضحكة و تلك النظرة…وهذا الحضن…بيتي
انتِ ياقطعة السكر ، ذأب انا في حلاوتها….وطعم
السكر لا يفارك فمي وكان شفتاكِ مزالت طابعه عليه…….
ممنوناً ان لكِ ياقطعة السكر فانتِ اثبتِ انكِ قادرة على التكيف مع من حولك مهما كانت خلافاتكم
السابقة…..ممنوناً ان لزوجة حنونة متفهمه تخاف
الله وتحب الجميع وتعطي دون لحظة تردد….
كنتِ اختيار الله لي وانا لله شاكر نعمته وممنوناً
للنصيب الذي جمعني بكِ يوماً………..
وجد من يربت على وجنته ففتح عيناه
الناعسة….. همست سمر وهي تنظر اليه
بحنان….
“هيما….. يلا ياحبيبي…… الاكل جهز على
السفرة…..”
نظر حوله بنعاس فوجد نفسه نائم على الاريكة متغطي بشرشاف خفيف….. وكانت سمر واقفه
جواره تنظر اليه بعينين متبسمة… وهي تتامل ملامحه عند الاستيقاظ…….
فهو حالة اخرى عندما يستيقظ… تشعر من نظراته
انه طفل تائه يبحث عن والديه……ام وهو نائم
ساكناً حالة اخرى تذوب عندها عشقاً لهذا
الرجل…….
ومع كل حالة تقع في عشقه من جديد…وليس
طبيبعياً أبداً ان تعشقه اكثر من مرة ؟!……
سالها وهو يفرك بعيناه….
“بقالي يامه نايم……”
اخبرته بهمساً حانياً…
“ساعه تقريباً…….. يلا قوم اغسل وشك….. انت ذنبتهم جامد النهاردة…….”
اوما لها وهو يبعد الشرشاف عنه ويتجه للحمام وهي اتجهت للمطبخ لتحضر باقي الاطباق من امه التي كانت تفرغ الطعام باطباق التقديم…..
عند سفرة الطعام تجمعت العائله معاً والديه وهو وزوجته……
تناولوا معاً الطعام في جو دافء مرح عائلي لابعد حد……
شعرت سمر بانها في بيتها لم تبتعد كثيراً.. والحاج راضي ذكرها بوالدها رحمة الله فكان يحمل نفس صفات الحاج راضي سواء في الحنان الابوي او الحضور والوقار…….. ووالدة ابراهيم امراه طيبه حنونه….غير مصطنعه كبعض الحموات…. كانت تعاملها كابنة بحق وهذا ما زاد حبها واحترامها
في قلب سمر…..
ان حكت عن زوجها لن توفي حقه…. يكفي انها زوجة ابراهيم راضي….. عند اسمه ستقف قليلاً تحمد الله
على وجود ابراهيم بحياتها…… مهم فعل ابراهيم سيظل بعينيها رجل لا يعوض حبه وقلبه الكنز الحقيقي الذي نالته من الدنيا…..والعوض
الحقيقي الذي انعم الله عليها به……
…………………………………………………….
خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها بالمنشفة بعد ان اخذت حمام بارد…….
كان ممدد على الفراش يتحدث في الهاتف مع شريكة
(عمار)عن العمل…..
“لا ياشيخ…..الطلبيه هتوصل في معادها……”حينما وصل لانفه رذاذ عطر الاستحمام التي تستعمله رفع عيناه عليها تلقائياً والهاتف على اذنه……..
فغر فمه فجأه وتنسى نفسه تارك لعيناه حرية النظر للبهية…..قطعة السكر…………
بلع ريقه بصعوبة وهو يراها ترتدي شورت قصير كحلي اللون لا يغطي الا جزء بسيط من وركيها
كاشف عن ساقيها البيضاء الناعمة بسخاء…..
وقطعه العلوية كانت بيضاء رقيقة لم تترك
شيءٍ للمخيلة تصل لمنتصف خصرها كاشفه عن خصرها المنحوت وبطنها المسطحه……..
عقد حاجبيه وهو ينتبه لهذا الوشم الاسود جوار
سرة بطنها……… كان على شكل هلال صغير يحيط
به فرع رفيع من اوراق الشجر السوداء……..كان جميلاً وجذاباً و رقيقاً……..متى وضعت تلك
الرسمة ؟!…..
همس ابراهيم بضياع وهو يراها تقف امام المرآة
وتمشط شعرها الطويل المموج وهي تولي
ظهرها له ففقد بعضٍ من ثباته قائلاً وهو
شارد بجمالها وفتون جسدها….
” مش كده ياشيخ عمار والله……. ”
مط عمار شفتيه من الناحية الاخرى قائلاً باستفهام…..
(مش كده ازاي يعني….. الطلبيه لازم توصل في وقتها……… مش عايزين نخسر العُملا احنا
مصدقانا لازم نرضيهم يابراهيم……)
قال ابراهيم بخبث وهو ينظر لسمر عبر
المرآة…..
“عندك حق لازم نرضيهم….. لحسان الواحد تعب اوي……”انتبهت سمر اليه فنظرت له لتراه يكاد يبتلعها بعيناه…..ابتسمت بدلال وهي تتابع حديثه
وتمشط كذلك شعرها……وعيناها الحبيبتان
تعانق عيناه الجائعة……….
اوما عمار من الناحية الاخرى بجدية….
(فعلاً العمال تعبه اوي معانا الاسبوع اللي فات….)
غمز ابراهيم لسمر وهو يقول
“بس اي الحلاوة دي……”
اتى صوت عمار مندهشاً….(نعم………..)
تنحنح ابراهيم بعدما ادرك ما يتفوه به…فقال
“احم…… عمار هكلمك تاني عشان معايا مكلمة…”
اغلق الخط سريعاً…..
ضحكت سمر بقوة وهي تضع الفرشاة جانباً…..علق
ابراهيم بغيظ منها….
“عجبك كده………الشيخ هيقطع علاقته بيا……”
ضحكت سمر اكثر وهي تتقدم منه بكامل جمالها واناقتها المغريه……..
جلست جواره على الفراش وهي تقول
بعبث….
“حد قالك تركز معايا……..”
اخبرها وهو يميل براسه نحوها قليلاً…..
“حد قالك تطلعي من الحمام دلوقتي…..”
رفعت حاجبها مستنكرة…..
“يعني افضل جوا……..”
عقد حاجبيه وتحدث بجدية لا تليق بكلماته الوقحة…….
“طول مانا بتكلم مع حد متظهريش…دخولك
بيبوظ الدنيا………ومبعرفش اركز…..غير في
حاجة واحده…….”
همهمت سمر وهي ترجع خصلة من شعرها
للخلف ثم قالت بمراوغه…….
“مم……خف تركيز ياحبيبي…عشان نظرك…..”
ابتسم بعبثٍ قائلاً بمشاكسه……
“مالوا نظري انتي متعرفيش ان الحاجات دي
بتقوي النظر………”
رفعت حاجبها وضحكت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها قائلة باستمتاع…..
“يسلام يادكتور……واي تاني بقا… منك نستفيد……”
ضيق ابراهيم عيناه بتركيز وقال بمكر……
“الحضن مثلاً…..بينشط الدورة الدموية…..تعالي كده…… “جذها لاحضانه وضمها بحنان ضحكت
وهي تدفن وجهها في عنقه…..
ثم بعد ثواني ابعدها عن حضنه ومسكها من ذقنها قبل ان تعترض…….وهو يقول بسفالة….
“البوسه مثلاً…. بتقوي عضلة القلب……حتى شوفي……”
فرض شفتيه الساخنة المهيمنة على ثغرها بقوة فاغمضت سمر عينيها بضياع وهي تشعر بقوة
قبلته الحثية التي تبعث شوقه وعشقه من
خلالها….
تركها بعد لحظات ومرر ابهامه على شفتيها
الامعه….. وهو ينظر لعينيها الجميلة البراقة
فتحت سمر عينيها وتبسمت شفتاها الحمراء
وهي تقول……..
“البوسه دي بتموت…….مش بتقوي…….”
قال بشقاوة ذكورية…….
“دي اقل حاجة عندنا…..هبقا حنين المرة الجايه…”
ضحكت برنة انثوية فاتنة وهي تقول……
“انت حنين علطول……..”ثم اشارت على الرسمة
التي بجوار سرة بطنها وقالت بمرواغه……
“اي رايك في تاتو……….”
“حلو……..”مد يده ولمس اياه ببطء حاني….اغمضت
عينيها وبلعت ريقها وهي تبعد يده قائلة
وهي تنهض مبتعده عنه…..
” انت مش قولت انك عايزني اعملك مساچ لضهرك…..”
نظر لها في وقفتها وقال بعيون لامعه بالرغبة
بها…….. “ياريت ياشبح………. هتعرف……”
اومات سريعاً….. “أكيد……”
اتجهت لأحد الادراج واحضرت زيوت مخصصه لجلسات التدليك….. تساعد على الاسترخاء وتعالج تشنجات العضلات……
حينما اتجهت اليه خلع التيشرت سريعاً وبرز صدره العريض المشدود وعضلات ذراعيه الكبيرة القويه
وخصره الرجولي المنحوت بصلابة……..وبطنه
ذي الخطوط الرياضية العميقة والمثيرة
للعيون……
بلعت ريقها وخفق قلبها باضطراب…. عليها ان تكون صريحة مع نفسها رؤيته وهو عاري شيء يربك مشاعرها فتكن متخبطه مابين الهروب والبقاء
للمس ما تراه عيناها !!…….
حينما عادت لعيناه وجدته يغمز لها بسفالة مجرد احراجها يكن الشعور الامتع بنسبة له….
عضت على شفتيها وهي تلكزه بغيظ…..
“ممكن تنام خليني اشوف شغلي…….”
برزت اسنانه وهو يقول بلؤم…..
“ايوا…..ايوا……… لغوشي على الحوار……..”
ضحكت سمر بدهشة…. وهي تدعي الحنق
“ابراهيم……….”
تسطح على بطنه بينما هي بدات بدهن ظهره بزيوت وبدت بتدليك ظهره وذراعه وكتفيه بخفه ومهارة…….. جعلته يغمض عيناه باسترخاء تحت يداها…… شعر بان عضلاته باكمالها تلين معها
مما جعل وجع سنوات انصهر على يداها هي
دون غيرها……..
بعد مدة جففت ظهره بمنديلا وهي تقول بهمساً
حاني……
“كده خلاص ياحبيبي….. ولا لسه ضهرك وجعك….”
اعتدل في نومه وسحبها سريعاً لاحضانه قائلاً بصوت مرتخي مرتاح…..
“تسلم ايدك…………ياحبيبتي……..”
اغمضت عينيها بحميمية وهي تراه يتحسس الوشم
هلالها الاسود الصغير………همست بحب حينما وجدت شفتيه الشهوانية تسير على وجنتيها وشفتيها
بحرارة…..ضاعت اكثر في احضانه وذابت كقطعة سكر بين للهيب نيرانه…….
“بحبك……..”
طل عليها في نومتها هامساً بخفوت
وحرارة…
“وانا بموت فيكي……….يا سمر……..”
عليها ان تخبره المرة المقبلة ان اسمها من بين شفتيه
في لحظاتهم الحميمية أجمل وأروع قصيدة غزل
مرت عليها ؟!…..
…………………………………………………………….
ايام وهي تحفز نفسها على المتابعة دون التفكير به
ايام وهي تجبر قلبها على الكره والبغض وهو يابى
ويخونها مفكرا به…. بكل شيءٍ متعلق بعزالدين
عيناه العسلية الضارية رغم القساوة الظاهره بها………لكنها كانتى بيتاً ساكناً اماناً دافئاً لها…..
كان مصدر الحياة والسعادة لها…. كيف تبتعد
وكيف تجرؤ على النسيان……..
ضائعه…. خائفه…. مذبذت القرارات…… تائه لدرجة تثير الرعب داخلها….. وكانها غريبة ، جديدة اتت لحياة لا تعرف كيفية التكيف معها…….
بدونه هي لا شيء وهذا ما يزعجها…. تسلل هو
لقلبها واستحوذ عليه وعند خروجه ترك الفراغ
يعذبها….يشقي فؤادها ويحرم على قلبها السكينة
في بعده…….
مسحت دموعها بظهر يدها وهي ممدة على
الفراش……. ثم تحسست بطنها بيدها برقة ناظرة لبطنها بحزن وخوف…….
خوفاً من اخباره فيظهر لها جانب السلطة والجحود
وياخد منها طفلها ثم ينبذها خارج حياته للأبد……
وهناك خوفاً اخر من ان يقبل بها لأجل ابنه التي تحمله في احشائها….. وأيضاً لن تستمر العلاقه
طويلاً…..
تعلم انها امرأة متشأمه غريبة ويائسه جداً ولكن ماذا تفعل لم تعطيها الحياة إلا يائساً وخوفاً وجوعاً….
لماذا ستغير نظرتها هل لأجل الأشهر التي قضتها معه؟…. والله حتى هو كان رحلة ترفيهية قصيرة
لها تعويض عن الشقاء لمدة قصيرة ليتها دامت….. ليتها كانت الآن في احضانه تخبره عن طفلهما…..
الطفل الذي شاء الله ان ياتي في البعد وتزول
فرحت وجوده بينهما…….
نحن لم نعد كما كنا…….مر شهر ولم تفكر حتى بالاتصال بي او الاطمئنان على احوالي…. حتى ورقة الطلاق لم ترسلها….. هل كان تهديداً وسنعود قريباً
ام ان الامر انك نسيت اجراءات الطلاق كما نسيت وجودي معها………
مسحت تلك الدموع اللعينه إلا تنضب أبداً
من مقلتيها الحمراء….
ماذا يحدث لها…. انتهى كل شيء بينهما… هي فقط تنتظر ورقة الطلاق…….. حتى تكون اخر شيءٍ
بينهما…..
وضعت يدها على بطنها ولوت شفتيها هاكمة…
وذكرت نفسها ساخرة….
“بتضحكي على مين ياحنين…. انتي حامل في ابنه……… حامل ياحنين……”
لن تنكر ان رغم الحزن هناك طيف دافئ من السعادة والحب يتسلل لقلبها……. شيء يريدها ان تتبسم..
هي ستكون ام قريباً…… طفلها يحمل جينات عز الدين الخولي…… هذا الرجل الذي اصاب قلبها
بسهام الحب…… الوسيم المراوغ…… المتباهي
بعلاقاته النسائيه…. الوقح…. والصريح صراحة
تصيب قلبها في مقتله……..
هل حقاً وقعت في حب رجل كان زوج لاربع
نسوة غيرها وهناك الكثيرات من وقعوا بحبه
دون رٱبط شرعي…..كيف تركت قلبها اليه وهي
تعلم ان هناك ضحايا قبلها…… وتعلم انها ستتذوق
من نفس الكأس الدائر !!……..
نهضت من مكانها بتعب وهي تشعر بعدم الاتزان بالمرة….. شهر مر وهي لا تلتزم بتعليمات الطبيبة…
لا تاكل جيداً ولا تاخذ الدواء بانتظام… تهمل في
كل شيء…. حتى حالتها النفسية سيئه جداً
وطبيبة حذرتها انها ممكن ان تتعرض للاجهاض
في اي وقت……..
ولكنها كلما حاولت الانتظام تفشل وتسحبها موجة سوداء من الحزن والانعزال والصمت والاكتئاب…..
فتحت باب غرفتها ثم اتجهت لامها للاطمئنان عليها
دخلت الغرفة فوجدت والدتها نائمة على الفراش
ساكنة الجسد…….
اقتربت منها وهي تنظر للساعة التي تشير لبعد الظهر…… امها لا تنام كل تلك المدة الطويلة….
“ماما…….يا امي…. اصحي احنا بقينا الضهر….”
شعرت بقلبها يهوى أرضاً بخوف فوالدتها لم تتحرك
ولم تجبها……
اقتربت اكثر منها بقلب يخفق رعباً وجسد يرتجف بهلع……. وضعت اذنها تلقائيّاً على صدر امها وقد نزلت الدموع بغزارة والف سيناريو مؤلم راود
قلبها الضعيف…….
وضعت يدها على فمها تخفي شهقة خوف ولم تدرك نفسها إلا وهي تركض لغرفتها متناولة الهاتف مجري اتصال به….. اول من اتى في عقلها المشتت هو
فتح الخط سريعاً واتى صوته الهادى…. للاسف
الفاتر وكانهما لم يبتعدا شهراً عن بعضهما…
“خير ياحنين……”
نزلت دموعها واصدرت شهقاتٍ مكتومة وهي تنظر لامها الساكنة على الفراش……
حينها انتفض صوته يتردد في اذنيها بقلق….
“مالك ياحنين بتعيطي ليه……. انتي كويسه….”
نزلت دموعها بهيستريه قائلة….
“لا لا….. امي تعبانه اوي ياعز……..نبضات قلبها ضعيفه… وحسى انها مش بتتنفس…. دي مش بترد
عليا……. انا مش عارفه اعمل إيه…. مش عارفه اتصرف…….. اتصل بمين…. انا خايفه… خايفه
تموت……”
اتى صوته الهادئ سريعاً وصوت خطواته السريعه تسمعها عبر الهاتف…….
“هشش اهدي…. ربع ساعة بظبط وهتلقيني عندك..
وهيبقا معايا عربية اسعاف هتنقلها لحد المستفشى… ودكاتره هيعمله الازم…… خليكي جمبها……… وبطلي عياط واهدي عشان خاطري…….اهدي ياحنين…”
اومات براسها بضعف ومزالت الدموع تجري بخوف على وجنتيها……..
حينما اغلقت الهاتف بدلت ملابسها سريعاً وجلست جوار والدتها تمسك يدها وهي تبكي وتناجيها سراً وضعفاً إلا تتركها وترحل فهي لا تقوى على هذا الفراق……..لن تتحمل تلك اللحظة…… لن تتحمل……..
بالفعل بعد ربع ساعة سمعت طرقاً على الباب اتجهت اليه وفتح إياه…. فوجدت عز الدين امامها…
دخل سريعاً وابعدها عن الطريق كي يدخل الطاقم الطبي لياخذوا امها لسيارة الاسعاف…..
حينما وقف معها عند احد الزوايا وصالة البيت كانت في حالة فوضى لأجل نقل امها للأسفل…..بينما هو مسك ذراعها وتفحصها بعيناه بقلق…..
“انتي كويسه ياحنين…….”
كان جسدها يرتجف بشكلا ملحوظ ووجهها شاحب كالاموات شعرها مشعث بجنون وكانها رأت شيءٍ
مفجع للتو………
مسكت يده بيدها الباردة كثلج وهي تنظر له
بعيون حمراء باكيه…….همست بضعف من بين
شفتيها الزرقاء المرتجفة…….
“انا خايفه……. خايفه اوي…….”
لم يقدر على الامتناع……..من ضمها لاحضانه…..
خصوصاً بعد تلك الحالة التي اصابتها….
ضم جسدها اليابس لاحضانه…..خفق قلبه بقوة….
وتاوه داخله بعذاب……اشتاق إليها….أسوء ايام مرت
عليه في بعدها…….انه فشل في المتابعه دونها
الامر صعب….حنين هي الحياة بنسبة له….توام
روحه….و ونيسة قلبه…..كيف ينساها وهي
قطعه منه……
ظلت في احضانه لا تشعر بشيء إلا باحضانه ورائحته الرجولية و…….ورعبها من ان تفقد
امها……….
حينما انتهى الطاقم الطبي من عمله ونقلوا والدتها لسيارة الاسعاف………
اصطحبها عز الدين لسيارته حتى تلحق بامها في المشفى……
……………………………………………………………..
كانت تستند براسها على زجاج السيارة وهي تبكي
بصمت ناظرة للطريق الركض امامها برعب…….
نظر عز الدين لها فوجدها على وضعها البأس تنتحب
ودموع تجري على وجنتيها……..
لم يقدر على منع نفسه من مسك يدها معانق كفها بيده ثم اخبرها بنبرة حانيه…..
“كفاية عياط ياحنين…..هتبقى كويسه…..
متقلقيش…….”
قالت بنبرة باهته ضائعة…..
“انا لو امي جرالها حاجة….انا ممكن اروح وراها…”
شعرت به يتكا على كفها بقوة قائلاً بانفعال….
“انتي اتجننتي……….مش عايز اسمع الكلام الاهبل
دا تاني سامعه……..”
زاد انفعالها عليه هو بالاخص وهي تقصده
بكلامها….
“لا مش سامعه….افرق اي عندك انا…..ها…افرق إيه….”صرخت وهي تنظر للطريق بجنون….
“يا رب اموت وارتاح…….”
توسعت عينيه بغضب مما جعله يلقي كفها بعيداً
عنه وهو يصيح غيظاً…….
“اخرسي ياحنين…. اخرسي….. انا صابر عليكي بقالي كتير……ومش هستحمل هبلك دا تاني سامعه……”
حركت راسها بانفعال وهي تميل نحوه وقد تناست
وعكة امها الصحية….وصاحت بغيرة كانت كنيران
تشتعل بداخلها بدون هوادة خلال هذا الشهر
الذي مضى في بعده………
“انا هبله….. هبلة فعلاً اني صدقت واحد زيك…. كنت
بتعمل اي في شهر ده ها……. نمت في حضن كام
واحده ها…….”
نظر عز الدين امامه وقال ببرود متباهياً… وبطرف عيناه ودون ان تلاحظ كان يتابع تاثير واقع كلماته على وجهها…..
“كتير…… كتير اوي……..واي واحده عيني هتقع عليها هجبها راكعه تحت رجلي…. عايزه إيه انتي مش خلاص عملتلك اللي انتي عيزاه……”
ضربته حنين في كتفه وهي تصيح بعصبية
وقد احمر وجهها من كثرة الانفعال والغيظ…..
“آآه…… عملت اللي انا عيزاه…. بس ورقة طلاقي… ورقة طلاقي فين بقه…….. مش قولت انك
هتبعتهالي….”
اتكأ على اسنانه وهو يقول بنبرة سوداوية….
“مفيش طلاق انا هسيبك كده… عقاباً ليكي هتفضلي متعلقه كده لا طيله لا سما ولا أرض…..”
برقة عينيها اكثر وضربت على وركيها وهي
تنظر امامها محدثه نفسها بجنون……
“يسلام انا اتعلق كده… والباشا يفضل يتسرمح…. آلله……”
شعر بفوران دخل صدره وهو يشدد على سرعة السيارة صائحاً بغيرة……
“وانتي عايزه اي ياحنين… عايزه تطلقي وتجوزي تاني…….”
هتفت بغيظ من تحت اسنانها….
“تاني…. لا انا كرهت صنف الرجالة والجواز كله… بسببك……. ياجوز الاربعه………”
مسكها فجأه من ملابسها بيد واحده وترك الاخرى تحرك عجلة القيادة…..بينما صرخ في وجهها
وهي تكاد تلتصق بوجهه……..
“بطلي تجيبي سيرة ام الجوازات السودة دي سامعه…….”
حاولت سحب الكنزة من بين يده وهي تقول
هاكمة ببغض……
“سيب هدومي….. على اساس ان الكلام بيحوق فيك……. ولا ناسي كلامك( اي واحده هتقع
عيني عليها هجبها راكعه تحت رجلي)…….
اشبع بيهم… ماهما من نفس عينتك…. ”
حرك ملابسها بين يده وعيناه تشتعل بومض مخيف محذراً اياها بنفاذ صبر….. “لسانك يامؤدبة……”
سحبت ملابسها أخيراً من بين يده وهي تقول
بعتاب وغضب……..
“غصب عنك مؤدبه…….. ومحترمه كمان….. الدور والباقي على مقضيها….. ورميني كده…..”
لوى شفتيه وهو يقول ساخراً……
“رميكي…. وكانك قعده في الشارع مش قعده عند امك……”
قالت ببرود وهي تعقد ذراعيها امام
صدرها……
“آآه قعده في بيت ابويا اي عندك مانع……”
مط عز الدين شفتيه قائلاً
باستهجان……
“مجنونة……..فعلاً ليس على المريض حرج…. ”
ضربت زجاج النافذة بيدها بقوة وهي تصيح
بتشنج كاتمه رغبتها في لكمه…..
“انت شايفني مجنونه……..لا انا هسكت خالص
لحد ماخرج من ام الزفته دي….. ”
نظر عز الدين للنافذة ثم نظر اليها وقال
بجمود….
“براحه يامؤدبة……..الازاز هينزل فوق راسك….”
سالته بحماقة مغتاظه……
“خايف على الازار لحسان اكسرهولك…….”
لوى شفتيه مرة اخرى باستياء وهو يومأ
براسه قائلاً…….
“آآه خايف عليه……… ممعيش فلوس اجيب غيره……ممكن تلمي ايدك بقا وتبطلي هبد ورزع…..
لحد ما نتنيل نوصل…….”
ابتسمت بتشنج وهي تنظر للنافذة بحنق….
“ممعكش فلوس….. صحيح لازم الفلوس تخلص… مش بتقضي كل يوم مع واحده شكل….. مضيع فلوسك على الستات ……”
اوما براسه قائلاً بوقاحه…….
“واي يعني لما اضيع فلوسي عليهم….. مين اللي بيجيب الفلوس غيري ومين اللي هيطيرها
غيري………. وبصراحه بقا انا راجل وليا احتياجاتي…….ومقدرش اعيش من غير ست…….”
قالت حنين هازئه منه…..
“من غير ما تقول دي حاجة معروفة……ياحاج متولي…….”
لم يتمالك نفسه من هذا التشبيه التي تلقيه دوماً نحوه…..
ليجد نفسه يضحك بقوة…. ضحكة نسى وجودها في
خلال تلك الايام المظلمة الكئيبه عليه…..ثم حينما اختف الضحكة وقد راها بطرف عيناه تلوي شفتيها بقرف وغيظ منه……أحب اسلوب المناكفه معها
فقال بمرح خفي…….
“فكرتيني……امبارح قضيت ليله….انما إيه….ملهاش حل……….”
ساد الصمت بينهما ولم يتابع الحديث بلؤم مما دفعها للغيظ والغيرة تنهش بصدره وهي تجد السؤال ينطلق كمدفع الرشاش من بين شفتيها……
“كان معاك واحده………”
رد ببرود….. “تلاته……”
اشهرت ثلاثة اصابع من كفها امام وجهه وهي
تصرخ بصدمة…….
“تلاااااااااااااااته……….ياعـــز…. ”
رد سريعاً… “صحابي……..”
تمتمت بصدمة اكبر وهي تنزل يدها وعيناها تتفحصه
بذهول وكانها تتعرف عليه للتو………
“استغفر الله العظيم……….. صحابك كمان…..”
ضحك عز الدين وهو ينظر لها بدهشة….
“ياخربيت دماغك…..قعده عاديه مع ناس صحابي…”
سالته بفضول…..
“قعده عاديه……..يعني مفيهاش ستات……”
رد باستفزاز……وداخله سعادة لا تضاهي أحداً
فقط لانه استفزها كما يحب…….
“الستات جت بعد ربع ساعه…….والقعده الحلوة بدات………”
توسعت عينيها مدعيه الدهشة وهي تتبسم
بعصبية ملحوظة….”ياراجل…….. كانوا حلوين……”
رد ببساطه وعيون هائمة في سهرة أمس….
“اوي ياحنين…..كان فيهم واحده شقرة انما إيه….
حكايه…….”
لم تتحمل اكثر ضربت على فخذيها وهي تدعي على نفسها بجنون…..كمن لبسه عفريت………
“ربنا ياخدني…..لا ربنا ياخدني فعلاً…..نزلني نفسي راح………. نزلني من الزفته ديه………”
تلك المرة رد بجدية وصرامه
عليها…
“افتحي الشباك اللي جمبك وعقلي……..”
جزت على اسنانها وهي تقول بنفاذ صبر….
“اعقل………بذمتك اللي تعرفك يبقا فيها عقل……”
اخبرها بخشونة ممتعضاً من الحالة الذي وصل لها بسببها………
“ولي يتجوزك يامؤدبه……..تفتكري لو اتبقى فيه ذرة عقل يعيد الكره ويفكر يدخل واحده تانيه حياته….
انتي ياحنين وبل فخر….كرهتيني في صنف الستات
وكرهتني في الجوازات اللي كانت قبلك….شوفتي وصلت لفين……”
مطت شفتيها قائلة باستفزاز وملامح عابسة….
“أحسن……عقبال ما تحج بيت ربنا…وتغسل ذنوبك هناك……..”
قال عز الدين بنبرة جافة….
“انا وانتي ان شاء الله…..نغسل ذنوبنا سوا وذنوبك انتي بالاخص…….”
نظرت اليه وسالته بتعجب…..
“ذنوبي………..وهي فين ذنوبي دي بقا…….”
اخبرها هاكماً وعيناه تعاتب قلبها سراً…….
“لما تبعدي عني شهر بحاله وقبلها تظلميني وتصممي على الطلاق من غير حتى ما تعرفيني السبب مش ذنب……دا غير الذنب إياه…….فاكره طبعاً لما
منعتيني عنك…….”
احمرت وجنتيها بحرج واسبلت جفنيها وهي
تقول بخفوت فقد تغلب عليها الحياء في
حضرة كلامه الوقح……..
“ممكن نقفل الموضوع ده…….احنا في إي ولا في إيه…….وبعدين انت مش قولت انك هطلقني…”
اخبرها بنبرة جامدة المعاني…..تقريباً جمدة قلبها
لوهلة امام سطوته اللعينة……..
“مفيش طلاق ياحنين…….يا تيجي تعيشي معايا………ياتخليكي قعده عند امك….زي البيت الوقف كده……..ماشي….”
نظرت اليه وقالت بضيق…..
“يعني ايه؟!…… انت بتلوي دراعي……..”
ضرب على عجلة القيادة بخفة قائلاً ببرود
اشعلها غيظٍ منه وهناك رغبة شياطنيه
في ضربه…..
“مش احسن ما تلوي انتي دراعي…….”
عضت على شفتيها وقالت بتلعثم من شدة
انفعالها…..
“انت مستفز………..مستفز وبجح….و…..”
اخرسها عز الدين بغلاظه…..مدعي الإزعاج
منها…….
“هششش………كفاية كلام اي بلعه راديو….”
ابعدت عينيها عنه بحنق ثم عضت يدها وهي تنظر للنافذة بعصبية…….
لماذا يشعلها حديثه هكذا….ينتقم منها حينما تكون كبركان ثائر يقذف نيران ملتهبة….ام هو يظل كتلة
من الثلج…….جالس ثابت هادئ يتحدث بمنتهى البساطه الاقرب للبرود هذا المتباهي الوقح يعرف كيف ينال منها
يعرف المخادع كيف يصفعها ويؤلمها بدون ان يلمسها………كلماته كسوط تنزل على قلبها الهش
فينقسم لنصفين ورغم الالم مزال قلبها الابله
عاشقاً مخلصاً لهذا الوقح……..البارد….المتباهي
بعلاقاته النسائيه……..جوز الاربعة…..
حقاً لاي مدى ستظل تتحمل هذا الوجع….وكيف ستتأقلم مع نيران الغيرة المتوهجة دائماً بداخلها……والاصح كيف توازن بداخلها الحب
والثقة معاً خصوصاً ان كانت زوجة لهذا
الرجل……
هل فعلاً بداخلها حبٍ منعدم الثقة….ام ان الثقة منعدمة بداخلها من الأساس ؟!…..والحب كان ولا
بد من التأثّر بهشاشة روحها………فهناك صفات
بالفطرة تستحوذ علينا وعلى مشاعرنا………
وعلى حسب شخصك سيكون الحب……..وتفاني فيه ؟!…….
………………………………………………………………
جلست على اقرب مقعد جوار غرفة الطوارئ….
عانقة جسدها بيداها وعينيها ظلت متعلقه بباب
الغرفة المغلقه على امها…..
تشعر برجفة قوية تسري بجسدها……وخفقات حيه تصدر من قلب منهزم متعب………..ضمت نفسها اكثر
وكلما مر الوقت دون اي اخبر عن امها….تشعر بنفسها
قاربت على الاستسلام لتلك البقعة السوداء التي قادرة على تسكين هذا الالم الذي ينحر بقلبها و…
ومعدتها……
ترا الجنين تأثر من تلك الحالة……
مررت حنين يدها على بطنها وتحسست اياه باعتذار…محدثه اياه سراً بحزناً وتبرير…..
“سامحني ياحبيبي…….بس مش قادره……دي امي…
انا روحي فيها……لو لينا نصيب نتقابل…..هتعرف كويس اوي يعني إيه أم………..”نزلت دموعها وضمت
شفتيها المرتجفة تحت اسنانها وهي تزيد من تتحسس بطنها بشكلاً ملحوظ وهي تحدثه
سراً…..
“عارف حسه اننا لو اتقابلنا ان شاءلله….هنبقا قريبين اوي من بعض………هتقدر تعوضني عن باباك…ولا هتروح معاه وتسبني……..اوعى تعملها…..انا حبيتك من قبل ما شوفك…..تصور بقا لما اشوفك هحبك قد إيه…..وهتعلق بيك ازاي….. ”
رفعت راسها فوجدت الباب يفتح ويخرج منه عز الدين ورئيس الطاقم الطبي المشرف على
حالة والدتها…….تلقائياً سالت زوجها بقلق….
“في اي ياعز…..امي جرالها حاجة…..”
اجابها الطبيب بهدوء ووقار يلائم سنه……
“والدة حضرتك الحمدلله كويسه….هي بس محتاجه تتحط تحت الملاحظة يومين…..على ما تستعيد وعيها وصحته………نعدي اليومين دول وكل حاجة هتبقى تمام………”
حاولت الثبات في وقفتها فهي تشعر ان الارض
تترنح بها……
“طب والاغماءه اللي جتلها دي بسبب إيه…..”
اخبرها الطبيب بجدية وهدوء…….
“هو اهمال من عندها….مش بتاخد الادوية بانتظام
والاكل طبعاً لخبطت فيه….يعني مش ماشيه حسب التعليمات الطبية وده اللي ادى لانخفاض في
دم…….دا غير الامراض المذمنه اللي عندها….كلها حاجات عملت مضاعفات في جسمها ادت
للاغماء…….”ثم حاول التخفيف عنها وبث
الطمأنينة بقلبها……فقال……..
“بس ان شاء الله كل دا يتظبط واحنا معاها مش هنسبها…….”
ابتعد الطبيب بعد ان القى تحية لرب عمله والمستثمر الاكبر لتلك المشفى العريقة….
اغمضت حنين عينيها بتعب وهي تسند على الحائط بكف يدها……… اقترب منها عز الدين واحاط
خصرها وهو يدعمها في الوقوف قائلاً بقلق
عليها…….
“حنين…..مالك……تعالي قعدي…….”
جلست على اقرب مقعد وهو شاركها الجلسة…. ثم تحسس بيده ظهرها بحنان وهو يسالها بنبرة حانيه بها اهتمام قوياً…..
“انتي كويسه ياحنين….حسى بايه………طب
بصيلي…..”
نظرت اليه تحت غلالة دموعها…..فقال وهو ينظر اليها بقوة حانية المعاني…..
“اسمعني ياحنين……مامتك هتبقا كويسه…الدكترة هنا كلهم مهتمين بحالتها……انا موصي عليها بنفسي
وهما عرفين اي تاثير هيلبسهم في الحيط…….”
لم يكن السكوت وشكر عادتها خصوصاً مع مزاجها المتعكر من اعراض الحمل…فقالت بنبرة لاذعه…
“ويترى بقا قولتلهم……..المريضه اللي جوا تبقالك إيه…..ولا تكونش قولتلهم دي حالة انسانيه
وبعطف عليها…….”
سحب يده عن ظهرها بقوة وكانه مسه ماسٍ كهربائياً
فجأه…….وانقلبت نظراته في لحظة لغضب وذهول أسود من مشاعره العاطفية الساذجة في حب امرأة
حمقاء غبية تمتلك لسان لا يلقي إلا كل ماهو
مقيت ، قذر………
نهض بهدوء واغلق ازرار السترة وهو ينظر لجلستها بجفاء……ثم حدثها بهدوء يخفي خلفه صدر مشتعل ورغبة قويه في ضربها……فهي لن تعود لرشدها إلا
بصفعه منه…….يشعر دوماً بانها تستفزة للوصل
لتلك النقطه معه…….التطاول باليد !…….
“كل اللي هنا عارفين انك مراتي وان اللي جوا دي امك……..انا مبعملش حاجة غلط ولا انا مستعر منك
زي مانتي بتلمحي مكنتش جبتك هنا…….مكالمة تلفون بسيطه مني لاي مدير مستشفى خاصة
وكانوا هيستقبله امك احسن استقبال ومش هيقصروا برضو معاها………”
اطرقت براسها للاسفل بغيظٍ وحرج…. فهو دوماً
رده عليها ينتصر وهي تظل الطالبة الغبية…. المذنبة….. المشاغبة المتسرعة في ردود افعالها………
ظل ينظر اليها في انحناءه بحنق… بداخله رغبة في تركها والعودة لعمله وحياته الروتينية الممله… و
رغبة اخرى أشد قوة ونابعه من قلبٍ ولهان يطالب
بالبقاء معها اينما كانت واينما ذهبت…….
“عز الدين…… ازيك عامل إيه…..” استدار عز الدين الى الصوت الانثوي خلفه….. وابتسم تلقائياً وهو
يسلم عليها بحرارة……
“شيري ازيك………عامله إيه…… ولا كانك شغاله
هنا الواحد بيشوفك بصدفة…. ”
ابتسمت المرأة باناقة متقنه وهي تبادله السلام
معاتبه إياه……
“على اساس ان حضرتك يعني متواجد دايما……وكان
المستشفى ملهاش حق عليك………انت مش من المستثمرين فيها برضو……. ولا إيه……”
تحدث عز الدين بالفه ملحوظه معها وهو يتحاور معها بود……….
“ولا إيه…..انتي عارفه ان الموضوع كان تدبيس
أصلاً… وهاني السبب………اقوله ياعم انا مليش في المستشفيات وجو العيانين ده…….يقولي توكل على الله وخش معايا شريك……وشيري درسه المشروع كويس…….”
ضحكت شيري بنعومة تقطر اناقة بالفطرة…ثم
قالت بصوت اذاعي ناعم….
“بس متنكرش ان المشروع نجح….والمستشفى حاليا بقت من اهم وافضل المستشفيات…… خصوصاً اننا بنطور فيها دايما……..عشان نوفر افضل خدمة
للمرضى…….”
اوما عز الدين بتأكيد مضيفاً….
“في دي عندك حق……. وانا شوفت ده بنفسي…”
“مراتك صح…….”
اشارت شيري بعينيها على حنين الجالسه تتابع
حديثهم بصمت…….وتشيع نحوهم نظرة
عدائية…
اوما عز الدين بغضب مكبوت…..وقال بفتور….
“آآه حنين….مامتها تعبانه شويه……وعايزك تاخدي بالك منها………..مع الدكاترة…. “اوصاها على
والدتها بهدوء….
بينما اومات شيري بتفهم قائلة….
“متقلقش هدرس التقرير الطبي بتاعها كويس
وبلغك بالجديد….ان شاء الله ربنا يشفيها….. وتقوم
بسلامة……”
ثم اتجهت نحو حنين الجالسة مكانها بصمت حينما وقفت شيري امامها مدت يدها وقالت بتودد…..
“هاي ياحنين….انا دكتورة شيري………مرات صاحب جوزك………وتقريباً متربين سوا….”
ابتسم عز الدين وقال بلباقه…..من
خلفها…..
“مش تقريباً احنا فعلاً متربين سوا….”
اومات له شيري وهي توزع نظراتها عليهما
بتساوي….
“صح….انا اعرف عز الدين واية من وهما صغيرين…… باباهم كان صديق بابا…..حتى هاني جوزي اتعرفت عليه عن طريق عز…………”
نهضت حنين وسلمت عليها من باب الذوق فالمراه مزالت معلقه يدها في الهواء منتظرة مصافحه منها………
“تشرفنا………. يادكتورة…….”
عقدت شيري حاجبيها وهي تقول بابتسامة مجاملة………
“اي دكتورة دي….مراتك رسميه اوي……. خليها بس شيري…..احنا اهل ولا إيه……”
اومات حنين بحرج……..بينما ابتسمت شيري وهي تربت على كتفها قائلة بنبرة مرفقة بها…….
“لو احتاجتي اي حاجة ياحنين…اي حاجة انا موجوده…ومتقلقيش على مامتك…..انا هفضل معاها
وهتابع حالتها دايما………اتفقنا ياحنين…..”
اومات لها حنين بوجهاً عابث….فرغم الغيرة من تلك المرأة الجميلة…….الانيقة بمبالغه تغيظ…إلا ان ذوقها
واسلوبها الراقي انتصر على غيرتها فشعرت بالحرج من نفسها ومن العداء نحوها…..
ربتت شيري مرة أخرى على كتف حنين وهي
تقول بصوتها الاذاعي…….
“طب استاذنكم….لحسان عندي عملية حالاً…فرصة سعيدة ياحنين….اكيد هنتقابل تاني…بس برا الشغل اي رايك….نرتبها سوا…..انا وانتي وآية……”
ترددت حنين في الاجابة خصوصاً من عينا عز
الدين المتربصه عليها….بلعت ريقها وهي توما
براسها بالموافقة……..
ابتسمت شيري بلطف قائلة بتفهم…..
“الرد ده هعتبره وعد………تمام…… عن اذنكم…..”
ابتعدت عنهم ودخلت أحد الرواق…..
تنحنح عز الدين وهو ينوي المغادرة….
“انا عندي شغل……ولازم امشي…..”
وقفت حنين امامه قائلة بلوعه وتيه….. “هتسبني……..”
نظر لها بعسليتاه الضارية وقال
بتهكم…..
“والمفروض اعمل إيه…..قعد اسمع كلام ملوش لازمه………”
شعرت ان الترنح يزداد فمسكت ذراعه قائلة
بتعب….
“انا تعبانه ياعز……..رجلي مش شيلاني…..”
انصهر الغضب وحل القلق في المرتبة الاولى
وهو يسالها……
“مالك ياحنين…..”
“دايخه اوي……”
كان هذا اخر شيءٍ قالته قبل ان تقع بين يداه
في لحظة…. توسعت عينا عز الدين وهو يجثي
على ركبته حاملها سريعاً بين ذراعه بالقرب من قلبه…….
صرخ بعدها في أحد الاطباء كي ياتي
ويفحصها………
استلقت حنين على الفراش……وتم عمل عدت فحوص لها وهي مستكانه في نومها بتعب..
بعد مده وخارج الغرفة اتى الطبيب واعطى لعز
الدين نتيجة الفحص……قائلاً ببشرة خير….
“التحاليل بينت ان المدام حامل في شهرها التالت….
الف مبروك ياعز بيه….. ياتربى في عزك……”
تمتم عز الدين بدهشة وهو ينظر للطبيب
باستفهام….وكان عقله توقف لبرهة بعدم ادراك للحروف الأبجديّة………
“حامل…..انت متأكد…… التحاليل دي سليمة…..”
هز الطبيب راسه بتأكيد…وتبسم وهو يخبرها
بعمليه لا تخلو من التعليمات الطبية
الاساسية للمرأة الحامل……..
” سليمه ميه في المية يافندم…..الف مبروك….انا بس كل اللي طلبه من حضرتك انك تاخد بالك منها من ناحية التغذية والعلاج اللي هكتبه ليها…..وياريت
لو تبعد عن اي ضغط نفسي…..دا هيساعد جداً في حالتها…. وهيمنع اي مضاعفات في الشهور الجايه……..”
اوما عز الدين براسه وهو يشعر انه في غمرة الفرح
يود معانقة الطبيب وتقبليه ولكن حمد الله انه مزال به عقل محافظ على ثباته ولا يكشف إلا عن ابتسامة
هادئه شاكره له……
حينما ابتعد الطبيب….دخل عز الدين سريعاً للغرفة المتواجده بها حنين…..والتي استيقظت للتو وهي
كانت جالسه على الفراش تضع يدها على بطنها تلقائيا بخوف…..وحينما راته امامها لم تلاحظ
تهلل وجهه بسعادة ولا لمعة الفرح بعيناه
العسلية ….. بل ان كل ما شغل عقلها في تلك
اللحظة سؤالاً واحداً تفوهت به…….
سؤال كسر الفرحة في قلبه وجعله لبرهة يتجمد مكانه وكانها اوقفت الزمن من حولهما حينما طرحت
هذا السؤال اللعين الذي جعله يرى نفسه كم هو
أحمق لدرجة تجعل منه اضحوكة بينه وبين
حاله..
“في حاجه حصلت للحمل؟……”
ظل يتبادلا النظرات لبرهة وهو كان ثابت مكانه ينظر اليها بصدمة بغضب……..بخذلان للمرة الثانية…..لكن تلك المرة كانت أصعب……..همس سائلاً بصعوبة وعيناه لا تحيد عن عينيها المرهقة…..
“انتي كنتي عارفه انك حامل……..”
اطرقت براسها بخوف منه ومن غباءها في سؤاله تلقائياً عن الحمل……ليتها راوغت قليلاً……لماذا
تلك الصراحة اللعينة……..لماذا التلقائيه
والشفافية في عالم لا يتعامل إلا بعملة واحده لها وجهين الكذب…… و الخداع !!…….
حينما زاد صمتها وهروب عينيها الزائغة منه
صرخ عز الدين صرخة شعرت انها هزت أرجاء
الغرفة…….
“انطقي…..كنتي عارفه انك حامل….كنتي عارفه ومخبيه عليا…..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى